ديمقراطية المعرفة خارج أسوار المؤسسة: المقاهي الثقافية بالمغرب فضاء بديل للتثقيف العام.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

محمد الوسطاني
كاتب رأي

 

الرباط – في خضم فعاليات الدورة الخامسة عشر للمعرض الجهوي للكتاب بالرباط، استضافت المديرية الجهوية للثقافة ندوة نوعية تناولت تجربة شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب، مسلطة الضوء على الأبعاد السوسيولوجية والثقافية لهذه المبادرة الرائدة، الندوة، التي أقيمت تحت عنوان: “المقاهي الثقافية في المغرب: قراءة في الواقع الراهن”، تحولت إلى منصة لتقييم عقد من العمل الميداني المستمر بإكراهاته ونجاحاته، بتسيير مقتدر لرئيس الشبكة الأستاذ نور الدين أقشاني، ومشاركة عضوي المكتب الوطني الصحفي إدريس عذار، والدكتور أبو الوفا البقالي صاحب المقهى الثقافي لوسافير بالاص بمدينة القنيطرة.
المقهى: من “فضاء اللغو” إلى “صرح الحوار”.
شكّل المحور الرئيسي للندوة تحليلاً معمقاً لنجاح الشبكة في إعادة توظيف الفضاء العام للمقهى، حيث استعرض الدكتور أبو الوفا البقالي الكيفية التي تم بها تفكيك الصورة التقليدية للمقهى باعتباره مكاناً “للاستهلاك السريع واللغو السطحي”، وفضاء للنميمة السياسية والرياضية والاجتماعية، إلى تحويله منهجياً إلى “صرح رحب للحوار” و”منصة لدمقرطة المعرفة”. هذه العملية التي لم تقتصر على مجرد نقل النشاط الثقافي من فضاء لآخر، بل هي إزاحة جغرافية وأيديولوجية للثقافة من طابعها النخبوي والمؤسساتي، من مدرجات الجامعات وقاعات دور الثقافة الرسمية، إلى الفضاءات المدنية الأكثر انفتاحاً وشعبية، وهذا يمثل، في جوهره، نموذجاً لإعادة تعريف التثقيف العام وجعله متاحاً بشكل غير مشروط للجمهور الأوسع.
عشرية من التراكم وتحدي الاستدامة.
تناول الصحفي إدريس عدار حصيلة عشر سنوات من العمل الميداني، مؤكدا أن التحدي الأكبر يكمن في استدامة هذه المبادرات في ظل بنية اقتصادية واجتماعية تضع الأولوية للربح التجاري على حساب التنمية الثقافية غير الربحية. وفي سياق العلاقة مع الدولة، أثنى المتدخلون على الاعتراف المؤسساتي الذي تجسد في توقيع اتفاقات الشراكة مع وزراء الثقافة المتعاقبون خلال السنوات العشر الأخيرة، معتزا بهذا الاعتراف الذي يبقى محتاجا إلى تعزيز مادي ولوجستي كافٍ للارتقاء بـ “اقتصاديات الثقافة المدنية” وتحويل شبكة المقاهي الثقافية إلى قوة دافعة حقيقية للتنمية المجتمعية، بعبارة أخرى، فالشراكة الحالية مع وزارة الثقافة هي خطوة أولى نحو إضفاء الطابع الرسمي على التجربة، لكنها لا تزال تحتاج إلى تطوير يضمن بقاءها وتوسعها.
نحو نموذج ثقافي تنموي
اختتم اللقاء بتدخلات الجمهور النوعي الذي حضر الندوة، والتي تجاوزت مجرد التعليق لتصل إلى مرحلة اقتراح نماذج تطويرية لأنشطة الشبكة، حيث دعا المتفاعلون إلى ربط المقاهي الثقافية بشكل أعمق بملفات التنمية المحلية، وتحويلها إلى مراكز للاحتضان الفكري قادرة على إنتاج المعرفة والمساهمة في حل الإشكاليات المجتمعية، وهي الأفكار التي تماهت مع الفلسفة العامة لشبكة المقاهي الثقافية بالمغرب التي تتوسع شراكاتها سنة بعد أخرى وتجاوزت حدود الوطن إلى عقد شراكات مع مقاهي عربية كما صرح بذلك نور الدين أقشاني رئيس الشبكة ومسير الندوة.
وفي الختام، يمثل هذا التجمع الفكري محطة تقييمية مهمة، تؤكد أن المقاهي الثقافية المغربية لم تعد مجرد “أماكن للقراءة”، بل أصبحت مختبرات اجتماعية-ثقافية تساهم في بلورة وعي جماعي جديد، وتؤكد على ضرورة البحث عن سبل مبتكرة لدعم “الفعل الثقافي الديمقراطي” خارج الأطر التقليدية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...