“حين يعين المسؤول نفسه، و يسألنا عن النزاهة”

إيطاليا تلغراف

 

 

 

نعيمة بويغرومني

 

 

في بلدٍ اسمه المغرب، لم نعد نحتاج إلى النكتة لتضحكنا، ولا إلى المأساة لتبكينا… فالأحداث نفسها صارت تمزج الضحك بالمرارة في كأس واحدة!
ها هي الفنانة لطيفة أحرار — التي تشغل منصب مديرة للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي — تعيّن أحرار لطيفة، أي نفسها، كأستاذة بالمعهد الذي تُديره!
تخيلوا المشهد: المدير يوقّع قرار تعيين الأستاذ، والأستاذ يبتسم شاكرًا المدير… وفي الحالتين، الشخص نفسه!

قد يظن البعض أن في الأمر خطأً مطبعيًا أو سخرية فايسبوكية مبالغًا فيها، لكن لا، إنه الواقع المغربي حين يبلغ قمة العبث.
وحين تسأل: من سمح بهذا؟
يأتيك الجواب الساخر الجاهز:
“نحن في زمن حزب الأحرار!”

زمنٌ صار فيه التطبيع مع التحايل المؤسسي والخلط بين المنصب والمصلحة أمرًا عاديًا، كأننا نشاهد حلقة جديدة من مسلسل لا نهاية له.
من “أحرار لطيفة” إلى “قليش” إلى “أخنوش”، …..الحكاية نفسها تتكرر بأسماء مختلفة: من يفوت صفقة يفوتها لنفسه، ومن يعين يعين نفسه، ومن يراقب يراقب ظله!

في هذا البلد، صار المنصب مرآة يرى فيها المسؤول وجهه فيبتسم، ثم يمنح نفسه وسام الاستحقاق.
صار بعض الانتماء الحزبي جواز مرور إلى الامتياز، وصار المنصب العمومي رخصة لتوقيع القرارات على المقاس، تحت شعار غير معلن:
“خدمة الوطن تبدأ من خدمة النفس!”

لكن الأخطر من الواقعة ذاتها هو صمت المؤسسات عن هذا العبث.
لا أحد يسائل، لا أحد يحاسب، وكأن الشفافية باتت تهمة، والنزاهة ضربًا من الطيش السياسي.
حتى الرأي العام، المرهق من التناقضات، بات يكتفي بابتسامة مرّة …ويقول : ” عااادي”

أين هي الرقابة؟ أين هي أخلاقيات المرفق العمومي؟ أين هو مبدأ تكافؤ الفرص؟
أسئلة معلّقة في هواء كثيف السواد، يملؤه صدى أسماء تتكرر في المناصب والصفقات والقرارات….وتغيب فيه كفاءات…
وكأن هذا الوطن صار مسرحًا كبيرًا…
لكن من سوء الحظ أن الممثلين نسوا النص، والمخرج منح الدور الرئيسي لنفسه!

لقد بلغنا مرحلة يصبح فيها بعض المنكر رسميًا، والفساد “مؤسساتيًا”، وتغدو النكتة بيانًا سياسيًا.
فما الذي تبقى لنا غير السخرية؟
سخرية تفضح ما لم يعد يخجل، وتقول لمن يعبثون بالمناصب والصفقات:
كفوا عن التمثيل، فالمسرح انتهى، والستار سقط، والجمهور غادر منذ زمن.
أما نحن، فقد بتنا نجلس في مقاعدنا المتآكلة، نراقب العروض البذيئة التي يسمّونها فنا، وسياسة وثقافة وإصلاحًا…
نصفّق أحيانًا من شدة البلادة، ونسخر أحيانًا كي لا نبكي.
فالذوق انحدر، والوعي خفت، واللامعقول صار واقعا…
ونحن، من فرط الذهول، ما زلنا نتفرج.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...