ذ.عبدالبصير جمال أحمد عيد : التعلم الهجين في عصر الكورونا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.عبدالبصير جمال أحمد عيد

 

ثورة تعليمية تكنولوجية متوقعة تدوي صداها لمن يتابع المشهد الحالي لآثار فايروس كورونا. أربك هذا الفايروس جميع القطاعات في جميع الدول وخاصة قطاع التعليم الذي وجد نفسه في وسط هذه المعمعة والفوضى العالمية. قرارات مختلفة متلاحقة وأحياناً متناقضة بين إغلاق المدارس وبين التعليم عن بُعد بطرقٍ غير مسبوقة وربما متفاوته. ومازالت الكثير من المدارس والحكومات لا يمكنها أن تتنبأ بشكل التعليم في السنة القادمة 2020-2021 فما بالكم بمستقبل التعليم على المستوى البعيد!

إن الصدمة الأولى التي سببها فايروس كورونا كان له آثار سلبية واضحة على على بعض القطاعات مثل الطيران والمواصلات العامة وقطاع السياحة والفنادق وغيرها. لكن قطاع التعليم كان له شكلٌ مختلف فالكثير من المدارس قررت أن تستمر بالعملية التعليمية عن بعد مستخدمين كل ما لديهم من وسائل تمكنهم من ذلك. وبهذا كان التفاوت في الأداء من مدرسة لأخرى ومن بلدٍ لآخر ضمن إمكانياتهم وقدراتهم. فقد ظهرت الكثير من نقاط الضعف والتقصير في هذا الجانب وهو “التعلم عن بُعد”. فأصبحت الحاجة ملحة لخلق جو من التوازن والاستمرارية بعيداً عن التخبط والفوضى التي شهدها قطاع التعليم.

شهدنا في ظل هذه الأزمة طلبة يحضرون حصصهم الدراسية مع معلميهم عن بعد بشكلٍ متزامن مستخدمين برامج مختلفة مثل: “زووم” و”مايكروسوفت تيمز” و “سكولوجي” وغيرها. وأحياناً تعلم عن بُعد غير متزامن مستخدمين بعض البرامج وبعض الوسائل مثل: “الحصص الفيديو المسجلة مسبقاً” والمرسلة عبر مواقع مثل: “ادمودو” أو “دوجو” و”Google Classroom”. وبعض المدارس بإمكانياتها البسيطة كانوا يتواصلون مع الطلبة عبر “الواتس آب”. وكل تلك العملية كانت وكأنها اختبار أو تجربة يجري في قطاع التعليم في كل مكان، حتى أن البعض كان يجزم أنها نظرية مؤامرة لنقل الحياة من الواقع التقليدي إلى الواقع الافتراضي، والمتكسبون من ذلك أيدٍ خفيةٍ.

وبعيداً عن نظرية المُؤامرة فإن التعليم شهد تطورًا له الكثير من الإيجابيات ولا تخلوا من السلبيات. وبذلك تكمن الحاجة إلى مراجعة العملية التعليمية القائمة بنظرة واقعية تفتح الآفاق نحو مستقبل تعليم أفضل في ظل الكثير من التسهيلات التكنولوجية المتبعة.
وفي نقاشي مع أحد القادة التربويين في إحدى المدارس، قال: بأنه فوجئ بأن الانضباط الصفي كان كبيراً وبشكل غير متوقع من الطلبة عندما كانوا يستخدمون التعلم عن بعد بشكل متزامن، في حين أنهم كانوا يواجهون مشكلة في أحد الصفوف في الانضباط الصفي وسلوك بعض الطلبة في التعلم المباشر إلا أن هذه المشكلة قد تلاشت!

كما أن إحدى المعلمات كانت مستغربة من إحدى الطالبات التي كانت تعاني من الخجل الشديد وعدم رغبتها في المشاركة والكلام في التعلم المباشر في الغرفة الصفية، ولكنها انطلقت بمشاركتها وتعلمها وكأنها طالبة أخرى في التعلم عن بُعد! كل ذلك يستحق من الخبراء المعنيين في العملية التعليمية أن يعيدوا النظر في التعلم عن بعد كخيار مستقبلي قابل للتطبيق.
وكان من أروع ما شهدُّته هي مناقشة لشهادة الدكتوراة لأحد الزملاء عبر تطبيق “مايكروسوفت تيمز” وفي وضع الإغلاق بسبب فايروس كورونا. مع العلم أن الزميل أنهى جميع دراسته عبر التعليم النظامي والتردد للجامعة وحضور الحصص من خلال التعليم المباشر. وهنا يستغرب البعض لماذا لا يتم الاعتراف بالتعلم بالانتساب التي توفرها جامعات عريقة جعلت من التعلم عن بُعد طريقة لإيصال المعلومة وتسهيلاً لتوفير خدمة التعليم بغض النظر عن المكان والزمان.

رغم كل ذلك إلا أن الرؤية نحو التوجه للتعلم عن بعد غير مرغوبة لدى الكثير من المؤسسات التربوية لخوفهم من التأثر المادي المباشر على المدخلات المالية للكثير من المدارس والجامعات. لكنها بالتأكيد تجربة جديدة يجب أن تستغل بالطريقة الصحيحة لما فيه مصلحة كل من المؤسسات التعليمية وأيضاً التلاميذ وأولياء الأمور.
فهل سيشهد العالم تعلما جديدًا يمكن أن نصفه بالهجين الذي يجمع بين التعلم المباشر والتعلم عن بُعد؟ هذا ما ننتظره في الأيام القادمة.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...