الخليج: بعد المصالحة حرب اليمن نحو نهايتها

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*حسين مجدوبي

 

بعد المصالحة التي تجري بين دول الخليج العربي، بعد سنوات من التوتر والمواجهة الدبلوماسية، بدأت تلوح في الأفق معطيات قوية تشير إلى نهاية ما يسمى بحرب «عاصفة الحزم» التي تدور في اليمن وجزء من السعودية. ويحدث كل هذا بسبب رحيل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وقدوم الرئيس الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وتعد ولاية دونالد ترامب منذ وصوله وتسلمه مقاليد البيت الأبيض ورحيله، هو المقياس الحقيقي لفهم التطورات الجارية في الخليج العربي، وهذا يؤكد مدى ارتباط سياسة بعض دول المنطقة ببوصلة نوعية الحكم في واشنطن، بل نوعية شخصية المسؤول الأول، الذي هو الرئيس، علاوة على مستوى قوة اللوبيات التي تسعى إلى تأثير في القرارات.

ومالت الإمارات العربية والسعودية إلى المصالحة في الخليج، بعد سنوات من التوتر مع قطر، وعلى الرغم من مجهودات عواصم عربية مثل الرباط والكويت وأوروبية مثل باريس، غير أن أبو ظبي والرياض بقيتا متشبثتين بفرض حصار جائر، لاسيما الحصار البري والجوي. ودخل الطرفان في حرب العلاقات الدولية من خلال الضغط على بعض العواصم لقطع العلاقات مع هذا الطرف أو ذاك وانفجار الحرب الإعلامية. وبدأت سياسة التوتر بعد فترة وجيزة مع وصول الرئيس ترامب إلى كرسي البيت الأبيض، ومثل نهاية الأفلام الميلودرامية، يرحل السياسي الشرير وتعود الأجواء إلى الانفراج. لكن الانفراج الحاصل حاليا مرتبط أشد الارتباط بقدوم الإدارة الجديدة التي تحمل تصورا سياسيا مختلفا عن سابقتها في مجال العلاقات الدولية. ويقوم هذا التصور أساسا على تصحيح ما يتم الإجماع حوله بأنه سياسة دبلوماسية خرقاء، ارتكبها ترامب بتشجيعه «البلطجة في العلاقات الدولية» والتفريط في الحلفاء والشركاء. وهكذا، بعد المصالحة الخليجية، فالجزء الثاني من هذا الشريط يتضمن إنهاء الحرب في اليمن، بينما الجزء الثالث هو إشاعة نوع من الحوار بين دول الخليج وإيران، بهدف احتواء البرنامج النووي لطهران. ويمكن القول بدخول حرب اليمن العد العكسي لوقف هدير السلاح، وقد يتعلق الأمر بأسابيع محدودة ليس إلا. وتوجد ثلاثة عوامل وراء نهاية الحرب في اليمن وهي:

في المقام الأول، التوجه الجديد للإدارة الأمريكية بزعامة جو بايدن، المتمثل في إعادة الحوار بين الدول الشركاء لها، لتفادي تسرب الصين وروسيا إلى المنطقة. إذ في ظل عودة ما يسمى بالحرب الباردة الثانية، تسعى واشنطن إلى رأب الصدع بين الدول القريبة منها، فهي من جهة ستعمل على إعادة الحوار مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز الحلف الأطلسي، ثم مصالحة الدول المتصارعة مثلما يجري في الخليج. ويتخوف خبراء الدراسات الاستراتيجية في واشنطن من بدء دول الخليج نسج علاقات عسكرية وسياسية مع روسيا والصين، ليصبح البلدان من المشاركين في صنع القرار في هذه المنطقة العربية، بعدما كانت محصورة على الغرب وأساسا الولايات المتحدة. والاتفاق الاستراتيجي لمدة 25 سنة، الذي وقعته الصين وروسيا مع إيران منذ شهور، يعد منعطفا في هذا الشأن. إن رغبة كل من قطر والسعودية، بل حتى الإمارات شراء المنظومة المضادة للصواريخ إس 400 من روسيا، مؤشر مقلق لواشنطن، يدل على تكرار سيناريو تركيا بشراء هذا السلاح، بحكم إعطاء الدول أولوية لمصالحها. وعليه فإن مبادرة الرياض بالصلح مع قطر على الرغم من الاعتراض الإماراتي النسبي، يدخل ضمن الإجراءات الاستباقية التي تقوم بها السعودية، كإشارة توافق ومسايرة للتوجه الجديد المرتقب للبيت الأبيض.

في المقام الثاني، ترغب إدارة بايدن في إنهاء الحرب في اليمن. وكان أعضاء الحزب الديمقراطي، سواء في مجلس النواب أو الشيوخ قد تقدموا بمشاريع قوانين تمنع بيع السلاح إلى السعودية والإمارات، وتجرّم الحرب ضد اليمن. ولعل أبرز خطوة ستتخذها الإدارة الجديدة هي وقف الذخيرة الحربية عن السعودية، ثم سحب الخبراء العسكريين الأمريكيين، الذين أرسلهم البنتاغون بقرار من ترامب إلى هذا البلد الخليجي. وتلتقي الإدارة الجديدة مع معظم دول الاتحاد الأوروبي بضرورة وقف هذه الحرب، بعدما خلفت مآسي وجرائم ضد الإنسانية. وهذه الاستراتيجية كافية لجعل الرياض تقرر بدء وقف الحرب، كما قررت بدء المصالحة. في الوقت ذاته، تأكدت الدول التي تخوض الحرب ضد اليمن، أنه بعد قرابة ست سنوات من المواجهات، لم تحقق أي هدف سياسي عبر استعمال السلاح، أي تقزيم دور الحوثيين، بل تعاظم دورهم وقد تسقط اليمن تدريجيا في يد الحوثيين وبطريقة أخرى في يد إيران. وكعامل مكمل للسابق، أرادت الرياض تقديم الحرب في اليمن على أنها الطريق لمواجهة المد الشيعي، ولهذا سعت إلى إشراك الدول السنية. وبعدما انسحب المغرب وجمدت مصر والأردن وقطر والكويت مشاركتها، أصبحت الحرب بين اليمن والسعودية والإمارات أكثر منها حربا عقائدية.

في المقام الثالث، يوجد رأي في واشنطن مفاده بضرورة تقديم أجندة شاملة لإيران للتراجع عن برنامجها النووي، يتضمن وقف التوتر في الخليج العربي ومنها عدم اقتراب إسرائيل عسكريا من المنطقة، ثم إنهاء حرب اليمن حتى لا تتطور إلى حرب شاملة في الخليج العربي.
وعليه، إذا كان الجزء الأول من انعكاسات التغيير في البيت الأبيض من رئاسة انتقائية وانعزالية، وتعويضها بأخرى جديدة ذات نظرة شاملة هو المصالحة الخليجية، فالجزء الثاني هو وقف الحرب في اليمن، ثم يبقى الجزء الأخير هو إعادة العمل بالاتفاق المتعدد الأطراف بشأن، البرنامج النووي الإيراني.

في غضون ذلك، وبين الفينة والأخرى سيتم إعلان نهاية حرب اليمن وبدء المفاوضات لتحقيق هذا الهدف، بعد ست سنوات تقريبا من الاقتتال، ساهمت في تدمير بلد وقتل عشرات الآلاف بالرصاص والجوع والمحاصرة.

*كاتب مغربي

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...