تجربة سفر زمن الكورونا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*محمد كريشان

 

«لقد بات السفر مثيرا للأعصاب بشكل كبير».. هكذا لخصت الأمر هذه السيدة العجوز وهي تحدثنا عن سلسلة الإجراءات اللازمة لضمان انتقالها من بلد إلى آخر زمن الكورونا. كنا في مطار أثينا في طريقنا إلى لندن ولم يكن الحديث إلا عن جملة الأوراق التي كان علينا تعبئتها قبل السفر، وما إذا كنا متأكدين أننا لم ننس شيئا منها، لأن ذلك قد يعني ببساطة شديدة منعك من التسجيل وصعود الطائرة.

كانت معنا مدرستان بريطانيتان شابتان تدرّسان في الكويت، وجميعنا نشترك في نقطة واحدة وهي أننا قادمون من دول تصنفها بريطانيا ضمن القائمة الحمراء، وذلك يعني أنه لا يمكن الدخول إلى لندن إلا في حالتين: إن كنت بريطانيا أو مقيما دائما شرط التوجه مباشرة إلى الحجر الإجباري لعشرة أيام في فندق قريب من المطار. أو أن يكون الدخول متاحا لهذين الصنفين إضافة إلى كل الحاملين للتأشيرة السياحية، ولكن شرط مرورهم ببلد آخر مدرج سواء على القائمة الخضراء أو البرتقالية والبقاء فيه لعشرة أيام على الأقل قبل القدوم إلى بريطانيا، وهذا ما كان عليه وضعنا جميعا.

السفر من الدوحة إلى لندن، وهناك أربع رحلات يومية عبر الخطوط القطرية، كان يسيرا للغاية ولا إشكال فيه ولكنه بات اليوم يحتاج، كشأن العديد من الرحلات الأخرى، إلى سلسلة من الترتيبات الدقيقة والمزعجة لكنها إجبارية:

إذن أنت ستسافر إلى اليونان مثلا كخطوة إجبارية والبقاء هناك لمدة لا تقل عن عشرة أيام تستطيع بعدها الذهاب إلى وجهتك الأصلية التي تريدها وهي بريطانيا. الخطوة الأولى طبعا هي إجراء فحص على الكورونا قبل 72 ساعة من السفر، وهي أمر هيّن مقارنة بما سيأتي، ثم تعبئة استمارة لدخول اليونان تنتظر الرد عليها، عبر البريد الإلكتروني، يوم سفرك فقط وبها سمة إلكترونية بدونها لا تستطيع التسجيل للرحلة ولا دخول البلد مع أنك حامل لتأشيرة «الشينغن».
بعد عشرة أيام تقضيها مجبرا في اليونان، وهي ليست بالإجازة في كل الأحوال، رغم الطقس الجميل والوجهة السياحية المغرية، لأنك نفسيا لم تأت إلى هناك بغرض السياحة وإنما لأنك مجبر، تشرع في ترتيب إجراءات دخول بريطنيا وهي كالآتي:

قبل الذهاب إلى مطار أثينا الدولي عليك التأكد من أنك ليس فقط لديك فحص حديث للكورونا ولكن أيضا أن تكون عبأت استمارة الدخول الطويلة والمفصلة، ومن أهم ما فيها العنوان الذي ستقضي فيه الحجر المنزلي لعشرة أيام مع تقديم ما يؤكد أنك حجزت ودفعت مسبقا فحصين للكورونا خلال هذه المدة، الأول في اليوم الثاني لوصولك والآخر في اليوم الثامن وهما إجباريان. يبقى لك خيار أن تحجز فحصا ثالثا في اليوم الخامس فإن كان سلبيا ستحصل على إذن مغادرة مقر الحجر المنزلي، والخروج إلى الشارع والتنقل من مكان إلى مكان، ولو أن ذلك لا يعفيك من وجوب إجراء فحص اليوم الثامن في كل الأحوال.

كل هذه الفحوص تصلك بالبريد إلى البيت الذي أنت فيه، وتقوم بها بنفسك وفق تعليمات محددة مفصلة في الظرف المرسل إليك وعليك إرجاعها بالبريد أيضا للمخبر نفسه الذي حجزت عنده مجمل الفحوص مسبقا والذي يعلمك لاحقا عبر رسالة نصية على هاتفك المحمول بنتائجها.

خلال فترة الحجر المنزلي الإجباري لعشرة أيام تستقبل عديد المكالمات من السلطات الصحية البريطانية للتأكد من أنك ملتزم بالبقاء في العنوان الذي حددته في الاستمارة، وللتأكد كذلك من أنك أجريت الفحوص المطلوبة وقمت بإرسالها، وبأنك في الأثناء لا تعاني من أية عوارض إصابة. خلال هذه المكالمات المسجلة يتم إعلامك بأن أي مخالفة للإجراءات أو تقديم معلومات كاذبة أو مضللة تعرضك لغرامات مالية أو السجن أو كليهما. أكثر من ذلك، خلال هذه الفترة عليك أن تتوقع في أي وقت زيارة من موظف من السلطات الصحية للتأكد مباشرة من أنك فعلا ملتزم بهذا الحجر المنزلي الإجباري وبالتالي فلا فرصة لإيهام أي كان من خلال الرد على المكالمات بأنك ملتزم به فعلا على غير الحقيقة.

كل هذه التعقيدات مع ما يصحبها من تكلفة مالية بسبب ذهابك إلى بلد آخر وقضاء عشرة أيام فيه قبل السفر إلى بريطانيا، أو الذهاب مباشرة إلى هذا البلد من بلد في القائمة الحمراء والاضطرار للبقاء في فندق لعشرة أيام جعلت الكثير من العائلات البريطانية في دول الخليج العربية على سبيل المثال غير قادرة على السفر، كما تعودت دائما في فصل الصيف، لأن التكلفة باتت ثقيلة في كل الأحوال.

لا أحد يدري ما إذا كانت الأوضاع ستتغير بعد الواحد والعشرين من الشهر المقبل، تاريخ المراجعة المقبلة للإجراءات الصحية في بريطانيا ولكن تجربة السفر هذه ما هي إلا مجرد عينة، تعطي فكرة لمن لم يخض بعد تجربة مماثلة، وفي نفس الوقت تؤكد ما ينصح به دائما: عدم السفر إلا للضرورة القصوى.

*كاتب وإعلامي تونسي

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...