واشنطن بوست: عالم ما بعد 11 سبتمبر ـ إرث الحرب الأمريكية على الإرهاب

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

عادل رفيق 

 

 

نشرت صحيفة واشنطن بوست في 8 سبتمبر 2021 مقالاً بعنوان: “العالم الذي أوجدته 9 /11: الإرث المترامي والمظلم للحرب الأمريكية على الإرهاب” لإيشان ثارور، الصحفي وكاتب العمود بواشنطن بوست، وذلك على النحو التالي:

بعد عشرين عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم تتعرض الولايات المتحدة حتى الآن لضربة إرهابية على أرض الوطن قريبة بأي شكل من الأشكال من هذا المستوى المروّع الذي حدث في عام 2001. لكن القليل فقط، حتى داخل المؤسسة في واشنطن، من يعتبرون ذلك علامة انتصار منقطع النظير. وبدلاً من ذلك، فإنهم يتصارعون في الجدل حول الغطرسة والتوسع الإمبريالي الأمريكي. ففي الخارج، تتحمل الإدارات الأمريكية المتعاقبة إرثاً مشتركاً من الحروب المدمرة وبناء الدول الفاشلة. أما في الداخل، فقد شهدت السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001 تقليصاً للحريات المدنية لبعض المجتمعات الأمريكية، وتوسيعاً للمراقبة الجماعية وتعميقاً للانقسامات السياسية.

كان الأمريكيون قد أيدوا على نطاق واسع قرار إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بغزو أفغانستان، حيث وفرت حركة طالبان، الحاكمة لأفغانستان آنذاك، ملاذاً آمناً للقاعدة. ولكن المهمة العقابية تلك تحولت إلى شيء أكبر بكثير من مداهمة لمكافحة الجريمة ضد جماعة متشددة تعمل في غموض وبدائية.

أعلن بوش إطلاق “حرب عالمية على الإرهاب”، محذراً جميع دول العالم من أنه “إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين”. تم نشر آلة الحرب الأمريكية عبر رقعة واسعة من الكوكب، ولكنها غرقت في الوحل بعد غزو دولتين وتغيير النظام بهما، أفغانستان والعراق. أنشأت الولايات المتحدة شبكات سرية لاعتقال وتسليم واستجواب، وتعذيب، نعم تعذيب، متطرفين إسلاميين مشتبه بهم. من منشأة عسكرية تم إنشاؤها في خليج جوانتنامو إلى زنازين في سجن أبو غريب ببغداد، كان ’الحفاظ على أمن أمريكا‘ يعني إنشاء جهاز أمني يفتقر إلى قانونية دولية واضحة، وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان تم توثيقها.

أصبح الشعب الأمريكي مع الوقت فاقداً لأي حساسية تجاه المعارك الطويلة التي تم خوضها باسمه، والتي تسببت بشكل مباشر في مقتل ما لا يقل عن 900 ألف شخص وكلفت دافعي الضرائب الأمريكيين حوالي 8 تريليون دولار، وفقاً لتحليل أجراه باحثون في جامعة براون. وتظل أعداد ضحايا القوات الأمريكية على مدى العقدين الماضيين – أكثر من 7,000 من أفراد الخدمة الأمريكية قُتلوا في العمليات الحربية بعد 11 سبتمبر – جزءاً صغيراً من تلك الأعداد التي خلفتها العمليات الحربية الأمريكية الكبرى السابقة. قد تكون ضربات الطائرات بدون طيار والعمليات السرية التي لا تعد ولا تحصى قد قلبت حياة المدنيين على الأرض في تلك الدول النائية رأساً على عقب، لكنها في الحقيقة تلاشت تماماً في خضم الحياة الأمريكية.

كتب المؤرخ في جامعة ييل صمويل موين، مؤلف كتاب، “الإنسانية: كيف تخلت الولايات المتحدة عن السلام وأعادت اختراع الحرب“، كتب يقول: “هناك شكل ’إنساني‘ من السيطرة والمراقبة يحدث خارج حدود أمريكا، مع إبعاد أخبار الموت والإصابات بشكل متزايد عن الأنظار العامة. إن ’الإنسانية المحسَّنة‘ لحروبنا، المزعومة والحقيقية، لا تخلو أبداً من الرذائل.” وأضاف، ” لقد برّرت الإمبراطوريات القديمة الأعمال الوحشية في سبيل خدمة الحضارة الإنسانية والتقدم. أما نسختنا من ’الإنسانية‘ فهي تساعد في التعويض عن امتداد حروبنا في الزمان وتوسعها في المكان”.

ومع ذلك، فقد أدرك المسؤولون الأمريكيون مؤخراً أنه بدلاً من القيام بتحييد تهديد التطرف الإسلامي، فإن جهود مكافحة الإرهاب التي قامت بها أمريكا قد جعلته أكثر انتشاراً، في أحسن الأحوال. وفي بعض الحالات، وعلى الأخص في العراق، ساعدت الإجراءات الأمريكية في تأجيج التطرف وأرسَت الأسس لصعود الدولة الإسلامية. وفي أفغانستان، يتعين على الخبراء الاستراتيجيين في واشنطن تحمل المسؤولية عن هذا الفشل المرير. ستحيي طالبان الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر في نهاية هذا الأسبوع وقد عادت إلى سدّة الحكم، وضمن كبار الوزراء في حكومتهم الجديدة أحد المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي.

وعلى الجبهة الداخلية، أدت “الحرب على الإرهاب” إلى توسع سريع في جهاز الأمن الأمريكي. وتم تمرير قانون باتريوت بعد أقل من شهرين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي منح الحكومة صلاحيات جديدة كبيرة للمراقبة والتجسس على المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة، مما يمهد الطريق لإجراء عمليات تفتيش غير قانونية لسجلات الهاتف ورسائل البريد الإلكتروني في بعض الحالات. وأدت إعادة تشكيل أولويات الأمن القومي إلى إنشاء وكالة الهجرة والجمارك المثيرة للجدل، مما أثار حفيظة النشطاء اليساريين، كما تمت عسكرة قوات الشرطة الأمريكية بشكل دراماتيكي، حيث قام البنتاغون بتحويل ما يُقدّر بحوالي 1.6 مليار دولار من المعدات العسكرية إلى الإدارات المحلية.

وفي عام 2013، كشف المتعاقد مع وكالة الأمن القومي، إدوارد سنودن، لثلاثة صحفيين، من بينهم صحفي من واشنطن بوست، كيف أنشأت الحكومة الأمريكية نظام مراقبة موسّع على مستوى العالم، مفوض من قبل السلطات القانونية السرية، ليكون قادراً بشكل أساسي على مراقبة مجموعات سكانية بأكملها. وبالنسبة للعديد من المحللين الآن، كانت بنْية التجسس الرقمي التي ظهرت مؤخراً هي مقدمة لنموذج عالمي جديد.

وكتب ويسلي وارك، الزميل الأول في المركز الكندي لابتكار الحوكمة الدولية: “عندما قادت الأنظمة الاستخباراتية للدولة، مدفوعة بالانشغال بمكافحة الإرهاب، تبعها بعد ذلك القطاع الخاص”. وأضاف، “قد يستخدم عالم الشركات في نهاية المطاف الطائرات بدون طيار لإيصال الطرود إلى عتبات أبوابنا، ولكن ما أدركه في الواقع هو إمكانية مراقبة البيانات الجماعية والتحليلات للعثور على جماهير المستهلكين واستهدافها واستغلالها والحفاظ عليها، بفضل صعود منصات التواصل الاجتماعي للإعلان الموسع.”

وقال باهر عزمي، المدير القانوني لمركز الحقوق الدستورية، الذي تحدى حكومة الولايات المتحدة مراراً وتكراراً على مدار العقدين الماضيين، في حديث مع نشرة “وجهة نظر العالم اليوم” التي تصدرها واشنطن بوست، إن رد فعل الحكومة الأمريكية على أحداث 11 سبتمبر “لم يكن مجرد سلسلة من السياسات العشوائية أو الردود العرضية، بل كان أيضاً بنية أيديولوجية عميقة أثّرت على ثقافتنا السياسية والقانونية بالكامل”. وأضاف أنه “لمواجهة تهديد الإرهاب الذي كان يبدو وكأنه ’في كل مكان، ولا يمكن رؤيته، وخارق لقدرات البشر‘، شرعت الولايات المتحدة في بناء ’دولة أمنية بامتياز‘.”

وبعد المذبحة الصفيقة التي ارتكبتها “القاعدة” ضد آلاف الأمريكيين، سُلطت الأضواء على المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. ففي نطاق الثقافة، تم وصم المجتمعات المسلمة بأكملها؛ وفي نطاق المجتمع الأمريكي، تعرض المسلمون الأمريكيون للتنميط الديني على نطاق واسع والعنصرية والمراقبة التمييزية من قبل الشرطة. ونظراً لأن اليمين الأمريكي هو من يؤجج المشاعر المعادية للاجئين الأفغان، فإن المناخ اليوم لم يتحسن كثيراً عما كان عليه في ذروة العمليات الأمريكية ضد “القاعدة”. فوفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو، فإن الاعتقاد السائد بين الأمريكيين بأن الإسلام أكثر ميلاً من الأديان الأخرى لتشجيع العنف هو أعلى الآن مما كان عليه في الأشهر التي أعقبت 11 سبتمبر 2001 مباشرة.

وهذا يغذي بشكل مباشر المناخ السياسي الحالي. في كتابه الجديد “عهد الإرهاب: كيف زعزعت حقبة 11 سبتمبر استقرار أمريكا وأنتجت ترامب”، رسم الصحفي سبنسر أكيرمان خطاً بين آثار 11 سبتمبر وإحياء نوع معين من الكراهية للأجانب في الولايات المتحدة، حيث كتب أكيرمان يقول إن دونالد ترامب “فهم شيئاً عن الحرب على الإرهاب لم يفهمه ’الليبراليون الدوليون‘”. “لقد أدرك (وحده) تلك الرسالة الغريبة التي تَصوَّر أنها جاءت في ثنايا سطور أحداث الحادي عشر من سبتمبر – وهي تصوير غير البيض على أنهم عصابات فضائية، أو حتى غزاة قادمين من حضارة أجنبية معادية – أنها كانت هي المحرك الرئيسي لـ ’الحرب على الإرهاب‘.”

وكذلك فعلت مجموعة من المتطرفين اليمينيين الذين شنّوا هجمات مميتة داخل المجتمعات الغربية في السنوات الأخيرة. ويردد حالياً نقاد يمينيون على التلفزيون الأمريكي في برامج تُبث وقت الذروة الخطاب القومي الأبيض حول “الاستبدال العظيم” للمجتمع الأبيض، وهو نوع من النظرة المتطرفة التي يمكن القول بأنها كانت لتبقى بعيدة ومعزولة عن الاتجاه السائد منذ عقدين.

في مقال حديث لها في مجلة فورين أفيرز، كتبت سينثيا ميلر إدريس تقول: “الدعاية المعادية للمسلمين ونظريات المؤامرة التي اندمجت في نهاية الأمر في رواية الاستبدال العظيم كانت في كثير من الحالات مدعومة بشكل غير مقصود من سياسات مكافحة الإرهاب التي لم تميز بين ما يسمى الإرهاب “الإسلاموي” والإسلام”.

لقد أدت أحداث السادس من يناير 2021 وتزايد العسكرة والتطرف لدى اليمين المتطرف، مؤخراً، إلى تعريض المسؤولين في العواصم الغربية إلى التهديد الحقيقي الذي يشكله التطرف الداخلي. لكن لا أحد يتوقع ذلك النوع من رد الفعل لمكافحة الإرهاب الذي تم حشده قبل عقدين من الزمان.

وكتب جيسون م. بلازاكيس، مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في وزارة الخارجية، في مقال رأي له بواشنطن بوست “بصفتي شخصاً عمل في قضايا الأمن القومي في حكومة الولايات المتحدة لأكثر من عقد من الزمان، فقد خلصت إلى أن ’الحرب على الإرهاب‘ التي تقودها أمريكا والتي بدأت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر قد جعلتنا غير مستعدين لمواجهة التهديد الداخلي الذي يتصاعد.” وحذر بلازاكيس من أنه “يجب علينا مواجهة الاحتمال الحقيقي بأن تأتي أحداث 11 سبتمبر القادمة من الداخل”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...