بروز الصوت العربي والإسلامي في انتخابات فرنسا

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

 

*د.عمر المرابط

 

 

لم تحصل مفاجأة في نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 10 أبريل/ نيسان الحالي. فكما كان متوقعا، تأهل إلى الدور الثاني الرئيس ماكرون، ومنافسته، زعيمة اليمين المتطرّف، مارين لوبان. هي تقريبا نتيجة انتخابات 2017 نفسها، مع تعزيز كلا المرشحين مكانتيهما في الدور الأول، حيث عزّز ماكرون نتيجته بحوالي أربع نقاط، حين حصل على 27.84% مقابل 24.01 % سنة 2017، بينما أضافت لوبان نقطتين إلى رصيدها، عندما حصلت على 23.15% مقابل 21.3% سنة 2017، وذلك على الرغم من ترشّح، إيريك زيمور، الذي حصل على حوالي 7%، واختطف منها أصواتا عديدة من اليمين المتطرف.

لم تخطئ إذن، استطلاعات الرأي، لكنها لم تصبّ تماما، بل لا مجازفة في القول إنها أخطأت في حق زعيم اليسار الراديكالي، جان – لوك ميلانشون، بإعطائه نسبة لا تتجاوز أكثر من 15% ، وهو الذي كاد أن يصل إلى الدور الثاني، وحصل على ما يناهز 22% بفارق 421308 أصوات فقط، فصلته عن المركز الثاني وحرمته من التأهل، وهي أصوات كان يمكن أن يحصل عليها لولا ذهابها سدى إلى مرشّحي اليسار المتشدّد الفاشل الذين اعتادوا الحصول على أقل من 1% في كل انتخابات، ولولا الأنا التي غلبت على مرشّحي باقي اليسار.

صوّت المسلمون بكثافة لميلانشون بنسبة تناهز 70%، يليه الرئيس ماكرون بنسبة 14% ثم مارين لوبان بنسبة 7%

يرجع فارق النتيجة بين التوقعات ونتيجة المرشّح ميلانشون إلى عدّة أسباب، منها الديناميكية الإيجابية التي استطاع أن يفرضها الرجل بفضل حملته الانتخابية وقوة خطابه الذي لم يتزحزح عن مواقفه التقليدية، رغم تقديرات معاهد استطلاع الرأي، حيث بقي صلبا ثابتا عليها، حينما لوحظ تذبذب المرشّحين الآخرين بين مواقف متناقضة أحيانا، وذلك في محاولة لاستمالة أكبر عدد ممكن من الناخبين، انتهت بتنفير أغلبهم، كما حصل مع مرشّحة حزب الجمهوريين اليميني التقليدي التي انهارت ولم تبلغ عتبة 5%. السبب الثاني هو التصويت المجدي أو التصويت الفعّال كما يسمّيه صاحبنا، والذي استفاد منه بقوة. ثالث الأسباب نقص اهتمام معاهد استطلاع الآراء الفرنسية بالصوت العربي والإسلامي، بل بكيفية احتسابه وتفسير طبيعة تصويته.

في هذا الصدد، أجرى معهد Ifop دراسة ميدانية لصالح صحيفة لاكروا La Croix الفرنسية ذات الاتجاه المسيحي الكاثوليكي، وهي من أعرق الصحف الفرنسية، حيث أسّسها قساوسة كاثوليكيون إلى سنة 1883، لمعرفة ميول الناخبين وكيفية تصويت الطوائف الدينية. وقد أجريت الدراسة إبان يوم اقتراع الدور الأول للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وأظهرت أن نسبة المسلمين المصوّتين بلغت 77% وهي نسبة محترمة جدا، إذ من الواضح أنها أعلى من المعدل الوطني البالغ 74.9%، خصوصا إذا عرفنا أن غالبية المسلمين لا تنتمي للفئات الاجتماعية العليا المعروفة بكثافة تصويتها، لكن كثرة التهجّم عليهم واستهدافهم أيقظت عديدين منهم، ودفعتهم أخيرا إلى التحرّك.

نسبة تصويت المسلمين العالية يزيد من أهميتها تصويتهم بأغلبية ساحقة على مرشّح واحد، حيث صوّتوا بكثافة لميلانشون بنسبة تناهز 70%، يليه الرئيس ماكرون بنسبة 14% ثم مارين لوبان بنسبة 7% (ولهذا التصويت تفسير)، في الوقت الذي تشتّتت فيه أصوات ناخبي الطوائف الأخرى. وإذا كان 80% من الناخبين الكاثوليك قد قسموا أصواتهم على مرشحي اليمين بشقية التقليدي والمتطرّف ثم الوسط، فإن 36% من البروتستانت صوّتوا لصالح الرئيس ماكرون.

تصويت 70% من مسلمي فرنسا لمرشّح واحد يعني بدء تكوين كتلة ناخبة قوية

لا ندري لِماذا أغفلت الدراسة تصويت الطائفة اليهودية التي يقدّر عددها في فرنسا بحوالي 700 ألف شخص، لكن تصويت اليهود الفرنسيين في كيان الاحتلال أعطى الصدارة للعنصري، إريك زيمور، بنسبة 50%، والذي لم يحصل إلا على 7% في المجموع النهائي من الأصوات، ويصوّت اليهود الفرنسيون غالبا بحسب موقف المرشّح من الطائفة والصراع العربي الإسرائيلي.

كاد ميلانشون أن يتأهل بفضل التصويت المكثّف لمسلمي فرنسا لصالح المرشح اليساري الذي لم يستنكف عن الدفاع عنهم بكل قوة خلال حملته الانتخابية، دافع عنهم بكلّ استماتة، وضد التيار الذي كان يجري في الاتجاه المعاكس، فحصد أغلب أصواتهم، ولم يقتصر التصويت على الرجل على الطبقات الشعبية أو الشباب من المسلمين، بل تعدّاه إلى فئاتٍ اجتماعيةٍ من المسلمين، أمثال رجال الأعمال الذين لا يخدم مصالحهم التصويت على يساري راديكالي، لكنهم صوّتوا له وتعبّأوا لصالحه، وأصبحت كلمة السر المتداولة بين أفراد الجالية المغاربية التي تشكل أغلبية مسلمي فرنسا، وهم يذهبون إلى مكاتب التصويت، أن صوّتوا على الطنجاوي، أي ابن مدينة طنجة المغربية التي ولد فيها ميلانشون.

تصويت 70% من مسلمي فرنسا لمرشّح واحد يعني بدء تكوين كتلة ناخبة قوية تدافع عن مصالحها العامة، وتقدّمها على المصالح الشخصية. ليس الحديث عن تكوين لوبي عربي أو إسلامي، لأنه ليس كذلك، فعكس كل الطوائف الدينية، لا توجد أيّة هيئة تمثل مسلمي فرنسا وتحمل رايتهم، ومجلس الديانة الإسلامية الذي أقبر أخيرا ورفضت الحكومة الفرنسية التعامل معه، يستعد لحلّ نفسه ولا اعتبار له، لكنها ردّة فعل أمام خطر محدِق، وبداية وعي وإدراك واستيعاب للمشروع اللا مجتمعي العنصري الفاشي لليمين المتطرّف الفرنسي الذي لا يريد من المسلمين الاندماج، لكنه يريد لهم أن يبقوا مسلمين من دون إسلام، ويذوبوا داخل المجتمع الفرنسي، ويغيّروا أسماءهم وهويتهم، ولو كان بالإمكان تغيير سحناتهم وبشرتهم لطلب منهم ذلك.

*كاتب وباحث من فرنسا

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...