الأطفال يستحقون تعليما سينمائيا لمحو الأمية الفيلمية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*هاني بشر

 

 

طرحت الكاتبة والمؤلفة البريطانية سو بالمر سؤالا على الآباء والأمهات في إحدى دورات تربية الأبناء يتعلق بالفارق بين الفنون قديما وحديثا، وتباينت آراء المشاركين وفي النهاية قالت إن الفارق الرئيسي هو أن الفن قديما كان تشاركيا يغني الجميع من كافة الأعمار في حفلات الزفاف غناء جماعيا.

ويمارس الجميع الفنون التقليدية في القرى والأماكن النائية بشكل جماعي، بعكس الحياة الحديثة التي تفرض فصلا حديا بين من يؤدي الفن على مسرح أو سينما أو تلفزيون وبين متلقٍ ثابت سلبي يكتفي بدور المتفرج.

كانت تقف على أحد مسارح جامعة كامبردج البريطانية وتشير إلى أهمية كسر النمط المسرحي في العلاقة الفنية بين الصغار وذويهم وتحثهم على مشاركة الأبناء منذ ميلادهم في أعمال فنية من غناء ورسم وغيره، لما في ذلك من أهمية في صقل شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه ومحيطه.

تعد بالمر أحد أهم المؤلفين البريطانيين في مجال التربية، إذ عملت مديرة مدرسة ابتدائية في أسكتلندا، قبل أن تنتقل إلى مجال التأليف، ولها ما يربو على 200 كتاب في مجال التربية، ومن أشهر كتبها كتاب “الطفولة المسمومة.. كيف يدمر العالم الحديث أطفالنا؟ وما ينبغي علينا أن نفعله حيال ذلك؟”.

وإذا طبقنا ما تقوله الكاتبة البريطانية على مجال السينما فسنجد أن قيام الأطفال بدور المتلقي دائما للمادة الفيلمية المعروضة يؤثر سلبا على حياتهم وسلوكهم بغض النظر عن جودة هذه المادة من عدمه.

لقد صنعت التكنولوجيا الحديثة سيلا متدفقا من المواد الفيلمية على الأبناء منذ بواكير أعمارهم، وهناك حديث كثير عن التأثير السلبي لتعرض الأطفال للشاشات منذ سن صغيرة على قدرات الإدراك والتركيز والاندماج الاجتماعي مع الأهل والقدرة على تكوين صداقات.

وهناك جانب مهمل في هذا النقاش هو المسافة المعرفية والفنية الهائلة بين الطفل كمتلقٍ سلبي للمادة الفيلمية المعروضة والقدرة على صناعة هذه المادة، وبالتالي تنمية مهاراته الفنية والنقدية.

فرغم أن الموسيقى والغناء مثلا لا يزالان من الفنون الحديثة التي تحكمها العلاقة المسرحية وليس التشاركية بين المؤدي أو المطرب وبين المستمعين فإن الأطفال يستطيعون تعلم العزف على الآلات المختلفة في المدارس والدروس الخاصة وأيضا تعلم الغناء بيسر وسهولة، وبهذا يستطيعون محاكاة مقطوعاتهم الموسيقية المفضلة وتقليد مطربيهم المحبوبين، وهنا تضيق الفجوة بينهم وبين الموسيقي أو المطرب بعكس الحال في ما يشاهدونه من أفلام ومسلسلات، فهم لا يعرفون أصول التصوير ولا المونتاج ولا السيناريو وغيره رغم كثافة المادة الفيلمية التي يتعرضون لها بشكل مستمر في كل مكان.

السينما كجزء من المناهج التعليمية
انتبهت كثير من الدول والهيئات الفنية والتعليمية لمشكلة الأمية الفيلمية بين الأطفال والشباب، وقامت بعدة مبادرات في هذا الشأن، منها على سبيل المثال مبادرة أكاديمية الفيلم التابعة لمعهد الفيلم البريطاني والتي تعطي مادة اختيارية لطلاب المرحلة الثانوية في بريطانيا عن إنتاج الأفلام.

وتشرف الأكاديمية على تدريس الطلاب من مدارس مختلفة لهذه المادة والتي تشمل جزءا عمليا يقوم فيه الطالب بالتدرب على مراحل صناعة الفيلم المختلفة، وهنا يتم دمج السينما كجزء من المقرر الدراسي للطالب وتضاف إلى مجموعه في المرحلة الثانوية، كما أنها تعزز فرصة قبوله في أقسام السينما والإعلام في الجامعات المختلفة، وبالإضافة إلى ذلك فإنها تهدف لتعزيز قدراته الفنية في هذه الصناعة، وبالتالي تؤهله للقيام ببعض الوظائف المساعدة في مجال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، أي أنها ليست مقتصرة فقط على الشق التعليمي وإنما هناك شق مهني آخر.

التعليم السينمائي للأطفال في هذه الحالة يعلّم الطفل أيضا أن يقرأ الفيلم بعين الناقد ويعزز قدرته على التمييز بين الغث والسمين من المواد التي يشاهدها، وهذا يساهم بشكل غير مباشر في تحسين وجودة المادة الفيلمية المعروضة للأطفال، حيث تعتمد معظم المواد حاليا على عنصر الإبهار البصري ويقع الطفل ضحية بدون وعي في فخاخ شركات الإعلانات والجذب غير المحدود لقدراته الذهنية من أجل تعزيز أرباح شركات الإنتاج.

لقد حدث وعي في العالم العربي منذ عدة سنوات بأهمية ومراقبة جودة المادة الفيلمية التي تعرض على الأطفال، وبدأ عدد كبير من شركات الإنتاج في إنتاج أفلام ومسلسلات تحمل قيما تربوية مهمة كبديل عن الأعمال المترجمة التي كانت هي السائدة قبل نحو عقدين من الزمان.

ولم تواكب هذه الخطوات وعيا آخر بأهمية تعزيز القدرات الفنية للأطفال في المجال السينمائي مثل بقية الفنون الأخرى من رسم وموسيقى وغيرها من الفنون رغم تطور وتعاظم دور المواد الفيلمية في حياتنا من سينما وتلفزيون ومحتوى رقمي، الأمر الذي بات جزءا من شخصية وحياة الطفل، بل وعمله المستقبلي أيضا.

ومن هنا تنبع أهمية التعليم السينمائي للأطفال، لما له أهمية كذلك على مستواهم المهني، مع تشعب الأدوار المهنية المرتبطة بالإنتاج الفيلمي والسينمائي في كافة القطاعات السابق ذكرها.

إن التجارب العربية المحمودة في الفترة الأخيرة في مجال تأسيس مهرجانات خاصة لسينما الأطفال من أجل تقديم محتوى سينمائي متميز يناسب الأطفال من مختلف الأعمار ينبغي أن تواكبها برامج أخرى تعليمية موازية للأطفال، وذلك من أجل تجنب التعامل مع الطفل كمتلقٍ سلبي، ولتجنب حصر مجال الأفلام والسينما في الجانب الترفيهي فقط لدى الأطفال وفتح أعينهم على الجوانب الثقافية والفنية والتعبيرية عن الذات والقضايا العامة.

وقد بادرت الشركات الشهيرة في مجال برمجيات المونتاج إلى إتاحة مواد تعليمية للصغار يستطيع الآباء والأمهات استخدامها منزليا حتى من دون برامج مدرسية أو الالتحاق بدورات متخصصة، منها برنامج مواد تعليمية للأطفال تتيحها شركة “أدوبي” (Adobe)، بالإضافة إلى العديد من التطبيقات المدفوعة والمجانية التي تتيح للأطفال تعلم أصول المونتاج والسيناريو والتصوير وصناعة الفيديوهات والأفلام بشكل احترافي.

*صحفي ومنتج أفلام

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...