السودان… خلافات تغذي الانقلاب

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

عبد الحميد عوض

 

 

لم يهنأ الانقلاب العسكري في السودان، منذ يومه الأول وحتى اللحظة، بأي تأييد حقيقي من الشعب. وفي حالة تجعله مختلفاً عن ثلاثة انقلابات سابقة، أن التظاهرات والاحتجاجات ضده، بدأت في الساعات الأولى من صبيحة التنفيذ في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقبل أن يذيع بيانه الأول.

اللافت في الموقف هذا، هو أن تظاهرات الأيام الأولى خرجت بطريقة عفوية، ولم يحشد لها أي من الأحزاب السياسية، خصوصاً أن تلك الأيام شهدت قطع خدمة الإنترنت والاتصالات الهاتفية، لذا اتخذ كثير من السودانيين قرار الخروج للشوارع بطريقة ذاتية، قائمة على مبدأ رفض الانقلاب أياً كان، هو ومسماه وهويته.

الأحزاب والتيارات السياسية المناهضة للانقلاب، وللأسف الشديد، لم تستفد طوال الأشهر الماضية من تلك الوحدة الوجدانية للسودانيين الرافضة للانقلاب، عبر تجميع صفوفها والتوحد فيما بينها لتمتين وسائلها وأدواتها لهزيمة الانقلاب.

لم تفعل ذلك، وبقيت حتى اليوم في حالة من التباعد والتنافر والانقسام، وهو أمر بتقدير كثيرين، ساهم بشكل أو بآخر في تأخير سقوط الانقلاب، الذي لم تتوفر له أدنى مقومات الاستمرارية بعد العزلة الداخلية والخارجية التي واجهها. وليس بالمستبعد أن يكون الانقلاب نفسه يلعب على وتر ذلك التنافر، حتى يتمكن من ترتيب صفوفه.

لتوضيح الصورة أكثر، فإن تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير” مع بعض النقابات يقف على ضفة، والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين على ضفة أخرى. وجميعهم كانوا قبل سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في مركب واحد، وبعد نجاح الثورة كانوا معاً جزء من الحكومة أو حاضنتها السياسية، ثم حدثت الخلافات والتباينات بشأن إدارة الدولة، ولم يكن هناك أي مبرر لاستمرارها بعد أن انقلب العسكر على الجميع، وعلى الثورة نفسها.

الخلافات في حد ذاتها أمر طبيعي بين أي حزبين، أو تحالفين، في أي نظام ديمقراطي واحد، من أهم مظاهره الخلاف والتباين. لكن ما هو غير مقبول أولاً عدم القدرة على إدارة الخلاف بين أطراف تؤمن بغاية واحدة هي بناء دولة ديمقراطية مدنية، وثانياً تبادل خطاب التخوين بين الطرفين.

والأسوأ العمل على تغذية الخلاف وتعميقه داخل لجان المقاومة السودانية، اليد الضاربة تجاه الانقلابيين، و”دينمو” الحراك الثوري، وأداة التغيير الجذري المرتجاة في البلاد. فقد توضح أن حمى الخلافات ضربتها، أو ستضربها، تحت تأثير من الأحزاب السياسية المتنافرة في تعاطيها مع مبادرات الحل السياسي. ومهما تكن الأسباب، فإن تباينات المواقف داخل صفوف المقاومة ومدارسها لن تفعل شيئاً سوى إطالة أمد الانقلاب.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...