حسن الحظ من حسن الخط.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*د.الحبيب ناصري

 

 

ونحن نستعد لامتحانات الباكالوريا في نظامها القديم، كانت أستاذة مادة اللغة العربية رحمها الله، ترشدنا دومًا إلى ضرورة الاهتمام بالخط. كانت تردد رحمها الله هذه الجملة، وهي، “حسن الحظ من حسن الخط”. الأجيال القديمة وفي غياب أي شكل من أشكال التكنولوجيا، بالإضافة إلى عوامل أخرى، كانت تتنافس فيما بينها عمن يكتب بخط واضح وجميل . رحم الله هذه الأستاذة صاحبة هذه الجملة/العبارة الدالة والحاملة لحمولة تربوية ونفسية. ما موقعها اليوم في زمننا الدراسي والثقافي ككل، حيث العديد من المتعلمين لا يجيدون الكتابة بخط على الأقل مقروء وواضح ؟. صححت ومنذ عشرات السنين، العديد من الأوراق وفي ظروف مهنية وعلمية وبحثية وتربوية مختلفة، وكم مرة لم أتمكن من قراءة اسم صاحب الورقة ؟؟؟. أكيد أن الكل اليوم يعرف ما فعلته التكنولوجيا في أيادينا وأدمغتنا. دروس عديدة تكتب وتوزع بشكل مرقون، وأخرى تنسخ بتقنيات معروفة وبحوث تنجز بالكتابة بواسطة الحاسوب. لنسأل أنفسنا كم مرة أخذنا ورقة وقلما وكتبنا فقرة ما، الخ؟. زد على هذا غياب مادة الخط في مستويات دراسية كالاعدادي والثانوي، الخ ، وهو ما يجعلنا ننبه ونؤكد على ضرورة استعمال الورقة والقلم بين الفينة والأخرى، وأن نحفز بناتنا وأبناءنا على الكتابة باليد( نقل الدروس وتلخيصها وإعادة كتابتها، الخ)، حتى لا تصاب أياديهم بنسيان كيفية الكتابة، وفي الوقت نفسه، الاستمتاع بلحظة الكتابة لما لها من أبعاد نفسية وتربوية،الخ . قد يرد علينا البعض بأن الخط موهبة، وليس من الضروري أن نكتب بشكل جميل. في اعتقادي المتواضع، فالخط جزء من التعلم، وكم من متعلم أو طالب ممتاز كان ضحية كتابته بخط منفر للمصحح/الإنسان. يبدو أن التكنولوجيا وألفة الكتابة بالحاسوب والاكثار من استعمال السبورة التفاعلية ( الاعتماد عليها كليا من الممكن أن يدمر المتعلم تربويا)، الخ، قد يحد من تملك خط جميل أو على الأقل الكتابة بخط واضح ومقروء من لدن الجميع. فكرة هذا المقال، لا تروم طرح وتعلم الخطوط العربية وأنواعها وتطورها وتاريخها وجمالياتها وأسرارها كتخصص، بل تسعى وتطرح مسألة ضرورة مصاحبة المتعلم وبشكل دائم ليحسن خطه ويكون مقروءا. فهل وفي ظل هذا الاسهال التكنولوجي، سنكون في أمس الحاجة إلى مدرس الخط وعلى امتداد كافة السنوات الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية في زمن اللاخط الحالي؟. ورقة مكتوبة بخط جميل وواضح قد تمارس “سلطتها” على المصحح. لقد وقعنا في مصيدة التكنولوجيا التجارية. أتوقع أن مدارس الغد، هي تلك التي ستزيل كل مظاهر التكنولوجيا من تعلماتها، وتعود للكتابة على السبورة الخشبية بالطباشير وتدفع المتعلمين للبحث عن المعلومة في الكتاب، وبشكل يلامس الورق ورائحته والاحساس بكاتبه، الخ. أتوقع أن الناس ستبحث عما يخلصها من هذا الاسهال التكنولوجي الذي “خرب” العقول والقلوب، وجعل التافهين يهيمنون على الاعلام وما حوله. هو احساس يراودني كل يوم. قد أكون فيه مجانبا لحقيقة ما سيكون غدا، لكن، هذا ما يقوله لي “الطانطو”. رحم الله أستاذتي صاحبة قولة، “حسن الحظ من حسن الخط”

*كاتب  من المغرب

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...