نقض دعوى النسخ في كتاب الله .

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*د. محمد الفقيه

 

 

زعموا أن حكم الزنا مر بمرحلتين في كتاب الله: المرحلة الأولى كانت عقوبة الزاني والزانية على النحو التالي : عقوبتهما الحبس بالبيوت والإيذاء حتى الموت أو التوبة ، واستدلوا على ذلك بآيتين من سورة النساء هما قوله تعالى :وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16) . النساء

وقالوا أن هاتين الآيتين منسوختين بآيتين في سورة النور ، أحداهما منسوخة التلاوة مع بقاء حكمها وهي حسب زعمهم : الزاني والزانية إذا زنيا فارجموهما البتة ….

وزعموا أن هذه الآية المنسوخة التلاوة باقية الحكم تبين حكم الزاني المحصن (المتزوج ).
والآية الثانية في سورة النور وهي قوله تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) . وزعموا أن هذه الآية تبين حكم الزاني غير المحصن فقط .

والمتأمل للآيتين المذكورتين في سورة النساء وللآيتين الواردتين في سورة النور ، يرى بوضوح أن الموضوع الذي تتحدث عنه الآيتين 15 و16 من سورة النساء يختلف تماما عن الموضوع الذي تطرحه آية رقم 2 من سورة النور ، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي :

الآيتين الكريمتين في سورة النساء لا تتحدثان عن حادثة الزنا مطلقا ، وإنما تتحدثان عن شيء آخر تماما ، وكل آية منهما تتناول قضية منفصلة عن الأخرى ، فالآية رقم 15 من سورة النساء؛ قال تعالى :وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا .
فهذه الآية لا تطرح موضوع الزنا ، وإنما تطرح موضوع آخر بدليل أنها تتناول موضوع خاص بالنساء فقط ، لذلك قال : وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ .

إذا هي جريمة خاصة بالنساء فقط وليس للذكور علاقة بجريمتهن ، وقد وصف الحق عز وجل هذه الجريمة بالفاحشة ، وليس المقصود بالفاحشة الزنا ، وليس كل فاحشة زنا ، وإن كان الزنا من الفواحش ، وقد عرف صاحب المعجم الوسيط الفاحشة على النحو التالي : قول أو فعل قبيح وشنيع :- عبارات فاحشة ، – { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } – { إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ } .

فالآية الكريمة تتناول فاحشة لا يمكن أن تقع إلا بين الإناث فقط ، وهي ما يطلق عليه فاحشة (السحاق) ، فالآية الكريمة تتناول هذه الجريمة على وجه الخصوص وتضع لها عقوبة باقية وخالدة الى يوم الدين وغير منسوخة وهذه العقوبة هي الحبس في البيوت أو أن يجعل الله لهن سبيلا من خلال التوبة .

وأما قوله تعالى : وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16) . النساء ، فهذه الآية الكريمة لا تتناول موضوع الزنا لا من قريب ولا من بعيد ، فهي تتحدث بشكل صريح عن فاحشة لا يمكن أن تقع إلا بين الذكور فقط ، بدليل قوله تعالى : (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ) فالآية تتحدث عن الذكور فقط كما هو واضح ، فالفاحشة التي من الممكن أن تقع بين الذكور فقط هي فاحشة ما يطلق عليه عرفا (اللواط) ، فقد بين الحق عز وجل عقوبة من يقوم بهذه الفاحشة القبيحة وهي عقوبة الإيذاء ، ولم يحدد مقدارا لهذه العقوبة وإنما تركه للنظام القائم بما يحقق المصلحة وبما يحقق الردع .

إذا الآيتان في سورة النساء 15 و16 ،الآية 15 تتحدث عن فاحش السحاق وعقوبتها ، والآية 16 تتحدث عن فاحشة اللواط وعقوبتها ، والآية رقم 2 من سورة النور تتحدث عن فاحشة الزنا ( سواء كانوا محصنين أو غير محصنين ) وعقوبته ، وأما فيما يتعلق برجم الزاني المحصن فلا أساس له في كتاب الله ، وإنما عقوبة الرجم كانت من العقوبات التي كان يطبقها اليهود في المدينة المنورة وفق شريعتهم .

 *مفكر إسلامي من الأردن

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...