الاستخارة والاستشارة.. عندما يصعب الاختيار!

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*وجدان شتيوي

 

 

تصيبنا الحيرة في أمور كثيرة.. لكن لمن نلجأ وممن نطلب المشورة؟ فمهما وثقنا بأحد من الناس يبقى بشراً يصيب ويخطئ، قد يكون منهكاً أو في مزاج سيئ فلا يسمع شكوانا جيداً ولا يقدم لنا النصيحة التي تناسب الموقف أو الظرف. لكن من رحمة الله فينا أنه هو بعظمته وجلاله يسمعنا في كل وقت لا نحتاج للقائه إلى وسيط. كثيرة هي الأحيان التي يلتبس علينا الأمر بها، سواء في وظيفة أو زواج أو سفر بل في مناحي الحياة جميعها.

لذلك شرع الله لنا الاستخارة وحثنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام عليها، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنهما قَالَ : (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ) “رواه البخاري. الاستخارة لغة تعني طلب الخيرةِ في الشيء. ولكن الطلب هنا من الله تعالى بعظيم قدره مما يعلِّقُ القلبَ فيه ويصرفه عن التعلُّقِ بالبشر. ففي الاستخارةِ يتحقق معنى العبودية لله والاتكال عليه، إذ يرمي المسلم حموله على الله واثقاً بتدابيره وهل من أحد يحسن التدبير كمثله سبحانه! وهل من أحد في لطفه وحنانه!

وتكون الاستخارةُ بأن يصلي المسلمُ ركعتين من غير الفريضةِ و يسلم ثم يحمد الله و يصلي على نبيه، ثم يدعو بنص الدعاء “اللهم إني أَستخيرُك بعِلمِك، واستقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك، فإنك تَقدِرُ ولا أقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم فإن كنتَ تَعلَمُ هذا الأمرَ – ثم يسمِّيه بعينِه – خيراً لي في عاجلِ أمري وآجلِه – قال: أو في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري – فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهم وإن كنتَ تَعلَمُ أنّه شرٌّ لي في دِيني ومَعاشي وعاقبةِ أمري – أو قال: في عاجلِ أمري وآجلِه – فاصرِفْني عنه، واقدُرْ ليَ الخيرَ حيثُ كان ثم رَضِّني به”.

فيصلي المسلم الاستخارةَ طارقاً باب الله، متوكلاً عليه، متعلقاً فيه بكل جوارحه، راضياً بقدره ثم يمضي في أمره واثقاً بتدابيره سبحانه، فإن تيسر الأمر المطلوب كان فيه خيراً، وإلا كان في صرفه عنه خيراً مؤجلاً وقدراً مبَّجلاً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن نتيجة الاستخارة لا تقترن بحلم نراه، فالأحلام في كثير من الأحيان هي مُحصلةٌ لحالاتنا النفسية، وتقلبات مزاجنا، فلا يمكن الاعتماد عليها أو التصرف والقرار بموجبها إلا إذا كانت رؤيةً صادقةً.

ويمكن للإنسان أن يصلي صلاة الاستخارة في أيّ وقت شاء، شرط أن يبتعد عن أي من هذه الأوقات المكروهة، وهي: بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، وبعد صلاة الفجر إلى طلوع الشّمس، وقبل الظهر بمقدار ربع ساعة تقريباً، والذي يعتبر وقت زوال الشمس. تشرعُ الاستخارةُ وتُستحبُّ في الأمور المباحةِ كلها حتى و إن بدا ظاهرها خيراً فنحن لا نملك من مفاتيح الغيب شيئاً.

تحضرني هنا قصةٌ في هذا السياق لصديقةٍ مقربة مني كانت بحاجةٍ ماسَّةٍ للعمل قدَّمت لوظيفةٍ، وفي يوم المقابلة سألتها إن كانت قد استخارت فقالت: لا داعي لذلك، فمكان العمل قريب جداً على سكني ولن أجد فرصةً أفضل، فأنت تعلمين كم هو صعب الحصول على وظيفة في هذا البلد. ذهبت بكل سرور، وما إن عادت إلى البيت حتى حرقت يدها لأول مرة في حياتها وهي تعد الشاي، أحست يومها وكأن هذا تنبيه لها من الله وتذكرت كلامي فوراً، وأيقنت ذلك أكثر حين اتضح بعد فترة أن من عُينت مكانها في ذلك العمل تركت العمل من سوء القائمين عليه، وفسادهم. ومن يومها أصبحت تستخير الله في كل أمر يختلط عليها.

وتُقدَّمُ المشورةُ على الاستخارة في بعض الأحيان، إذ يستشير المسلم أهل الخبرة والصلاح كأن يسأل عن طبيب معين لإجراء عملية جراحية فبعد المشورة والسؤال يستخير الله ليكون قراره صائباً، ولا يخسر أبداً فما خاب من استخار وما ندم من استشار. فكونوا مع الله يكن معكم، فوضوا أمركم إليه يختر لكم ما يناسبكم، ويحقق راحتكم في الدنيا والآخرة.

*خريجة تربية تكنولوجية “كاتبة في مجلات إلكترونية وورقية وكتب مشتركة منها ساعة رمل و شؤون صغيرة و كلمات صامتة وذاكرة الخريف “


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...