الربيع العربي وصدمة الحداثة

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

عاطف محمد عبد المجيد

 

 

تتجلى الحداثة كونيّا في ظهور المجتمع البورجوازي الغربي الحديث في إطار ما يُسمى بالنهضة الغربية أو الأوروبية، هذه النهضة التي جعلت المجتمعات المتطورة صناعيا تحقق مستوى عاليا من التطور، مكّنها ودفعها إلى غزو وترويض المجتمعات الأخرى، ما أدى إلى ما يسمى بصدمة الحداثة، خاصة بالنسبة إلى المجتمعات التي تلقت نتائج الحداثة، دون أن تكون هي مهدها أو مخاضها المباشر.

هذا ما يستهل به عبد الحفيظ النهاري كتابه «الربيع العربي والحداثة السياسية.. تحليل لخطابات النخب اليمنية في الإعلام الفضائي، الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة. هنا يرى النهاري أن الحداثة، من حيث كونها حركة عاصفة، قد أقحمت المجتمعات التقليدية، ومنها المجتمعات العربية، في وضع عسير، وخلقت لديها وعيا شقيّا، مضيفا أنه على المستوى العربي غالبا ما تتمحور إشكالية الحداثة السياسية في التدافع السياسي بين تيارين متصارعين في ما يخص تحديد الموقف من الحداثة السياسية، يعتبر التيار الأول منهما أن الحداثة هي القدرة على الإبداع في إيجاد صيغ للتعايش بين منجزات الغرب وثوابت الهوية، بينما يتعاطى التيار الثاني مع الحداثة على اعتبار أنها حالة أفرزتها صيرورة تاريخية شهدها الغرب. النهاري، متحدثا عن الإعلام والتنمية السياسية العربية، يقول إنه على مستوى التنمية الوطنية والسياسية، كانت الأنظمة السياسية والحكومات في الوطن العربي والعالم الثالث، في النصف الثاني من القرن العشرين، قد استخدمت قوة تأثير وسائل الإعلام لتحقيق هذا الغرض برعاية وتوجيه مباشرين من الدولة حديثة الاستقلال، في اتجاه النهوض بالمشروع التحرري الوطني والقومي، والتعبئة التنموية وإسناد برامجها السياسية وتبرير شرعيتها الثورية.

خطاب حداثي

هنا يطرح الكاتب سؤالا مهما وهو، هل يستطيع الإعلام العربي الذي أدى دورا بارزا ومهمّا في التثوير، أن يقدم خطابا حداثيا تنويريا في اتجاه البناء والبدائل المستقبلية بعد أن ساعد وسارع بهدم البنى القديمة؟ النهاري الذي يرى أن كتابه هذا تكمن إضافته العلمية في كونه يساهم في معرفة دور الإعلام في الحداثة السياسية في اليمن، في مرحلة الربيع العربي اتصالا بما قبلها من مراحل التحديث السياسي، لا في قطيعة معها، ومقاربة الخطابات السياسية والإعلامية الجديدة، التي هي غير مدروسة أو قد تكون قيد الدراسة في بعض جوانبها، خاصة في البيئة اليمنية الجديدة، يرى هنا أن الخطابات الإعلامية والسياسية المتصارعة والمتناقضة في مرحلة تحوّل مهمة، إما أن تفضي إلى بناء يمن جديد، أو أن تفضي إلى صراع عنيف طويل ومرير يمزق الدولة والمجتمع. الكاتب يذكر هنا أن أحداث الربيع العربي وصفت تارة بالثورة، وتارة بالانتفاضة، وأخرى بالاحتجاجات، وأحيانا بالحركات الاحتجاجية، واقترن فعلها بالشباب، أو نُسبت إليهم، كما يكتب قائلا، إن أول من استعمل مصطلح الربيع العربي هو الباحث والأكاديمي الأمريكي مارك لينش، مضيفا أن هذه الحركات الاحتجاجية قد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي، عدا ثلاث دول هي قطر والإمارات وجزر القمر، وتميزت هذه الثورات/ الاحتجاجات بظهور هتاف عربي شهير في كل الدول العربية وهو: الشعب يريد إسقاط النظام.

بطل ثورات الربيع

من خلال كتاب النهاري هذا نعرف، أن فيسبوك يعد بطل ثورات الربيع العربي في مرحلتها الأولى، يليه تويتر ويوتيوب في المرحلة الثانية، وكنتيجة مباشرة لانتشار استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ظهر مصطلح إعلام المواطن، كما نعرف أن هذه الشبكات كان لها دور في التحولات السياسية في البلدان العربية التي شهدت احتجاجات شعبية، وأسهمت في إيقاظ الوعي العربي، وفي تنظيم التحركات الشعبية بسرعة ومهارة ومرونة تفوق الأبنية والأنظمة السياسية والاجتماعية والإعلامية التقليدية. كذلك نقرأ هنا أن البلدان العربية التي تداعت فيها الأنظمة المستبدة شهدت انطلاقة كبيرة في سقف الحريات الإعلامية، وفي مقدمتها حرية التعبير في إطار مؤسسات الإعلام، ومنها قنوات التلفزيون الفضائي، ما ترتب عليه انطلاق قنوات تلفزيونية فضائية عربية معبرة عن آراء القوى السياسية والاجتماعية الجديدة، لتعزز بذلك من دورها في بناء الرأي العام. كما نعرف أن التغيير والتحولات التي أحدثتها احتجاجات الربيع العربي قد شكلت مناخا جديدا وفضاء حرا لإطلاق قنوات فضائية سياسية جديدة تعبر عن التيارات والأفكار والمواقف والقوى الجديدة، وأن رؤية الدراسات المؤيدة لقوة دور وسائل الإعلام في تحفيز التغيير السياسي والاجتماعي تقوم على أساس العلاقة الافتراضية الأثيرية بين وسائل الإعلام والرأي العام، وما يتخللها من متغيرات الوعي والتقييم والشرعية والمشاركة والتغيير، وأنه بالنظر إلى التطورات السياسية الجديدة في مرحلة احتجاجات الربيع العربي تحولت وظيفة وسائل الإعلام من مجرد ناقل يهدف إلى تسهيل الحوار العقلاني في المجال العام إلى تشكيل وبناء الخطاب العام ذاته، وأن دور الإعلام في عملية التغيير السياسي يظل أمرا نسبيّا، خاصة أن رؤية أدوار الإعلام تتفاوت في فلسفتها من مجتمع لآخر حسب طبيعة المجال العام.

قبل وبعد

النهاري يكتب كذلك عن الاحتجاجات بين الإعلام الجديد والإعلام الحكومي، عن دور شبكات التواصل الاجتماعي في احتجاجات اليمن، عن ساحات الاعتصامات كفضاء للإعلام الجديد، عن صحافة المواطن، عن القنوات الفضائية المؤيدة لثورة التغيير، عن انقسام الإعلام بناء على المرجعيات السياسية والأيديولوجية والجهوية، عن أهم البرامج الحوارية والقضايا السياسية، وعن الحداثة الإعلامية والسياسية. وهكذا نجد أنفسنا هنا إزاء كتاب يبحث في قضايا مهمة تتعلق بالربيع العربي وعلاقته بالحداثة السياسية، محللا لخطابات النخب اليمنية في الإعلام الفضائي، مقارنا بين حالة الإعلام الفضائي قبل احتجاجات الربيع العربي وبعدها.

*‏كاتب مصري

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...