مرحلة الارتطام قائد الجيش رئيساً للجمهورية اللبنانية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*اعداد:د.نادين الكحيل 

 

 

يشهد لبنان شغوراً رئاسياً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وتعاني الطبقة السياسية من حالة تشرذم في اتخاذ القرارات، ويتضح ذلك من خلال عجزها عن انتخاب رئيس للجمهورية بعد انعقاد اكثر من 11 جلسة نيابية، والسبب الجوهري هو عدم وجود اتفاق سياسي حول اسم مرشح واحد.
لقد شكل التنازع والصراع حول كرسي الرئاسة إلى استمرار الشلل في السلطة الاولى بالبلاد، كما دفع بالكثيرين الى ترجيح كفة قائد الجيش كشخصية حيادية لتولي المنصب الرئاسي، خاصة بعد الدعم الاميركي والفرنسي الذي يحظى به الجيش اللبناني في ظل التدهور المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان.
تدهور العملة الوطنية
ينزلق لبنان الى الهاوية بسرعة قياسية، عبر انهيار مالي غير مسبوق في تاريخه ، فقد بلغت الليرة اللبنانية مستوياتها الدنيا حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد ما يعادل 100 ليرة لبنانية، وهذا الانهيار السريع يدفع الشعب الى هوة الفقر، وخاصة ان معظم السلع الاستهلاكية الاساسية أصبحت باهظة الثمن ولم تعد بمتناول الجميع.
ناهيك ان معظم السوبرماركات قد بدأت التسعير بالدولار الفريش، وقد يمتد الامر الى السلع الاخرى كالبنزين، وفواتير الهاتف مسبوقة الدفع، بمعنى آخر قد يصبح التسعير الرسمي هو بالدولار الاميركي. ومما يزيد الوضع سوءاَ هو أزمة المصارف التي اغلقت ابوابها امام المودعين.

اقفال المصارف
تشتد الازمة وتضع الخناق على رقاب المواطنين بصدور قرار اقفال المصارف، مما يمنع الناس من الحصول على اموالهم ورواتبهم، وبالتالي عدم قدرتهم على تأمين مستلزماتهم اليومية من (طعام وشراب وادوية وتدفئة …) .
وسبق ان قامت المصارف بإغلاق ابوابها بصورة جزئية اعتراضاً على اعمال الاعتداء التي تطالها من قبل المودعين، والتهديد بالسلاح واقتحام اكثر من مصرف والمطالبة بالحصول على ودائعهم بالدولار، مع العلم بأن المصارف اللبنانية تحتجز أموال المودعين منذ العام 2019، كما فرضت قيود على عمليات السحب، فقامت بتحديد سقف شهري للسحوبات .
وأمام مشهد اقفال المصارف اللبنانية ابوابها، يتجلى عمق الازمة في لبنان وتبرز الهوة الساحقة التي وضعت اللبنانيين في وجه بعضهم البعض.

أعمال شغب وتوتر امني
دفع اقفال المصارف، الى تحرك المودعين يوم الخميس 16/2/2023 بالنزول الى الشارع في اعتصام أمام مسجد الامين، وتطور الأمر الى تحطيم واجهات عدد من المصارف (فرنسا بنك ، بنك عودة، بيبلوس بنك ، الاعتماد المصرفي ، بنك بيروت والبلاد العربية) في منطقة بدارو واحراق مداخلها، استنكاراً للقرارات العشوائية المتخذة من قبل البنوك، كما قاموا بقطع عدد من الطرق الرئيسية.
يتضح بأن الاضطرابات الاجتماعية المتنقلة على كافة الاراضي اللبنانية، تنذر بتوجه العاملين والموظفين في القطاع العام الى تصعيد في الشارع قد يؤدي الى مواجهات مع الجيش اللبناني، والى فوضى تشهد خلل أمني او حرب في الأيام القادمة، فمرحلة الارتطام باتت قاب قوسين أو أدنى وقد تسيل دماء يدفع ثمنها الشعب اللبناني.

تسوية رئاسية (اقليمية-دولية)
في ظل الوضع المتأزم والمشهد الدراماتيكي للوضع في لبنان، يبرز خطاب لحسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله ، إن من يريدون دفع لبنان للانهيار على حد تعبيره عليهم “توقع منا ما لم يخطر في بال”، وذلك تهديد صريح وتأكيد على إستمراره في فرض هيمنته على البلاد، والبطش بالدستور والتوغل في مؤسسات الدولة واضعافها ، وتفتيت نسيج العيش المشترك، وشل القضاء، واحكام السيطرة على مفاصل الدولة، وتعطيل انتخاب رئيس للبنان.

الا ان الحركة المكوكية لسفراء الدول (اميركا ، فرنسا، السعودية، مصر، قطر) والاجتماع الاخير في باريس، قد اسفرت عن مطالبة القيادات والمرجعيات اللبنانية بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، كما حذرت بأنها لن تبقى مكتوفة الايدي ازاء استمرار الفراغ، وقد يستتبع ذلك فرض عقوبات اميركية وفرنسية على معرقلي الانتخاب، مما يشير الى ان موعد الحل والتدخل الخارجي في الملف الرئاسي بات على نار ساخنة.

ففي ظل أجواء التوتر والشحن الاجتماعي، سيتولد انفجار شعبي يطيح بكل أركان الاستقرار والامان في البلاد عبر عمليات (سرقة، نهب، خطف، قتل، انتحار….)، مما ينذر بذهاب لبنان نحو الفوضى اللامحدودة، وهذا الأمر يستوجب إعادة ضبط الوضع الامني عبر انتخاب رئيس للبلاد، واعادة إحياء المؤسسات الحكومية، وانعاش الاقتصاد، ولجم جماح الغضب الشعبي.
وأمام هذا المشهد المتأزم، لا يمكن لأحد ان يضبط الوضع سوى قائد الجيش، فتكون مرحلة الارتطام قد فتحت الباب على مصراعيه لتنصيب قائد الجيش رئيساً للجمهورية اللبنانية.

*كاتبة وباحثة سياسية

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...