مسح الجوخ

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

*د.زهير الوسيني

 

 

قررت كتابة هذه الأسطر بعد خبر وصلني عن مسؤول سياسي إيطالي سابق قرر إلغاء زيارة له كانت مقررة للمغرب لأن “اللحظة غير مناسبة”.

أرجو أن يتسع صدر المسؤولين في بلادنا للاستماع لرأي قد يبدو للوهلة الأولى قاسيا ولكنه في النهاية قد يكون مفتاحا لنقاش بناء بيننا كمغاربة.

أعرف أن أغلب المسؤولين يعشقون من يمسحون الجوخ ولكن هناك حالات يجب أن ننسى فيها ذواتنا ونفكر في مصير أرض تجمعنا ونريد لها الخير جميعًا، سواء أولئك الذين بيدهم السلطة أو من قرر طريق المعارضة كيفما كان نوعها.

أكيد أن المغرب يعيش خلال الشهور الأخيرة على وقع حملة شرسة وممنهجة لضرب مصالحه في أوروبا. من يشتغل في الإعلام يعرف أن التركيز بشكل سلبي على دولة معينة في نشرات الأخبار وعلى أعمدة الصحف لمدة متواصلة وباستمرار لا يمكنه أن يكون وليد صدفة.

لذلك نحن متفقون على أن ما يحدث من هجوم على المغرب في وسائل الإعلام الأوروبية اليوم، له غاية واحدة وهو تشويه صورة المغرب وضرب مصداقية أي سياسي أو إعلامي حاول أو يحاول الدفاع عن مصالح المملكة ولكن مع ذلك فإنه يتوجب علينا أن نتمعن كثيرا في ما يحدث، وأن نقوم بقراءة واعية ورصينة لفهم آليات هذه الهجمة واستخلاص العبر لكي نعبر إلى بر الأمان، ومن هناك العمل على إعادة بناء هذه الصورة انطلاقا من فهم صحيح للمجتمعات الأوروبية والتخلي عن الأساليب البالية من شراء للذمم، بشكل أضحك كل من قرأ تقارير القاضي البلجيكي الذي يتابع قضايا الرشاوى في البرلمان الأوروبي.

إن أول خطأ سقط فيه المغرب هو اعتباره أوروبا الغربية حليفا يؤتمن. وهذا خطأ فظيع. أوروبا لها مصالحها التي تتغير مع تغير الأحوال. فبينما دول المعسكر الشرقي سابقا كانت تتعامل مع بعضها البعض كحلف صلب، فإن الدول الغربية تصرفت دائما كناد لكل عضو فيه “الحق” في تغيير مواقفه متى بدا له ذلك مع تبعية عمياء لما تمليه الولايات المتحدة.

الخطأ الثاني يتجلى في إرسال مسؤولين أمنيين لا دراية لأغلبهم ببنية الدول الأوروبية ولا يفقهون شيئا عن مراكز القرار فيها. وحينما يبدؤون في التأقلم مع واقعهم الجديد يتم تغييرهم بآخرين جدد.

الخطأ الثالث هو عدم فهم آليات اللوبينغ (مراكز الضغط) واستعمالها بذكاء يأخذ بعين الاعتبار القوانين المنظمة في أوروبا. السردية المغربية تحتاج لمن يدافع عنها باقتناع وليس مقابل أموال فقط. فمن تشتريه بالمال يبيعك بالمال أيضا. تقارير القاضي البلجيكي المنشورة في وسائل الإعلام تعطي الانطباع أن هناك كثيرا من السذاجة وعدم الحرفية في التعامل مع واقع مركب ومحفوف بالمخاطر.

الخطأ الرابع هو انعدام أي قراءة نقدية لما حصل والاكتفاء بخطاب دفاعي، غايته إقناع الرأي العام الداخلي دون إيلاء أي أهمية للضرر الكبير الذي لحق صورة المغرب وهزها لدى جزء كبير من الرأي العام الأوروبي، والتي يحتاج المغرب لسنوات من الجهد الرصين ولكثير من الفهم والذكاء لتصحيحها.

هناك أخطاء كثيرة أخرى لا داعي للتركيز عليها هنا، ولكن هناك خطأ كبيرا يجب أن نواجهه وبكل جرأة وشجاعة لكي نتغلب على هذه الحملة وعلى الحملات الأخرى القادمة التي ستستهدف المملكة: مسألة احترام حقوق الإنسان في المغرب. يجب أن ننهي هذا الموضوع لأنه يسيء لمصالح البلاد وبشكل مجاني.

لا أحد يمكنه إنكار كل الاصلاحات السياسية والحقوقية التي تم إنجازها في العقدين الأخيرين ولكن يجب الاعتراف كذلك بأنها غير كافية. الدولة المغربية هي قوية اليوم بشكل لم يعد من المنطقي أن يخيفها أو يزعجها مقال صحفي مهما كانت حدته أو تصريحات مهما كانت قسوتها ضد الحكومة بل حتى ضد “النظام” بشكل عام.

فالمغرب يسير في الاتجاه الصحيح لذا عليه أن يستمر في إصلاح بيته الداخلي عبر ترسيخ ديمقراطية حقة تكون حافزا لثقة المغاربة في بلادهم، ليكونوا جميعا حاجزا في وجه كل من سولت له نفسه المس بالمصالح العليا للبلاد. ما عدا ذلك فهو مجرد تضييع للوقت في أمور غير مفيدة بالمرة.

*إعلامي وكاتب وباحث من ايطاليا


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...