هل سيكون الكاظمي كبش الفداء القادم؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

*صادق الطائي

 

 

أصبح من الواضح أن هنالك حملة منظمة من الكتل الشيعية الولائية المقربة من طهران تُشن ضد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق، وأبرز رجال حكومته. إذ أصدر القضاء أوامر قبض بحق أبرز مساعدي ووزراء الكاظمي المقربين منه في الفترة السابقة، كما صرح عدد من نواب كتلتي الفتح ودولة القانون، بأن أمر القبض على الكاظمي سيصدر قريبا، وستتم إحالته للقضاء على خلفية اتهامه بقضايا فساد كبرى، واستغلال النفوذ، والمشاركة في اغتيال أبو مهدي المهندس والجنرال قاسم سليماني في بغداد.

وتُعد خطوة هيئة النزاهة الاتحادية الأخيرة ضربة موجعة للكاظمي ورجاله، إذ تم الإعلان يوم الثالث من آذار/مارس الجاري عن إصدار أوامر قبض بحق أربعة مسؤولين كبار في حكومة الكاظمي على خلفية اتهامهم بالاشتراك في قضية الفساد الكبرى، التي باتت تعرف إعلاميا بـ»سرقة القرن». الشخصيات الأربع البارزة هي: «وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي، وأحمد نجاتي السكرتير الشخصي للكاظمي، ومدير مكتبه القاضي رائد جوحي، ومستشاره الإعلامي مشرق عباس».

وبعد أن أصدر مكتب الكاظمي بيانا شديد اللهجة، رد فيه على أوامر القبض، خرج الكاظمي عن صمته أخيرا عبر إجراء حوار مطول مع جريدة «الشرق الأوسط»، إذ كشف النقاب في هذا اللقاء المطول عن مجموعة من النقاط، من ضمنها قوله: «منذ الأسابيع الأولى لتسلمي الحكومة بدأت عملية شيطنة هذه التجربة المدنية»، وأضاف: «استمرت عملية شيطنة هذه الحكومة حتى بعد انتهاء فترتها، حيث كان هناك ما يمكن اعتباره إجراءات انتقامية وكيدية، نتمنى إبقاء مؤسسات الدولة بعيداً عنها. لقد أعلنا صراحة أننا نقبل بتحقيق دولي شفاف في كل القضايا الملفقة والكيدية». إذن يحاول خصوم الكاظمي تصوير الأمر على أنه كان يقود «عصابة» نهبت، وقتلت لمدة عامين ونصف العام، هو عمر حكومة الكاظمي، وحان الآن موعد محاسبتها ومحاكمة رجالها والقصاص منهم، إذ صرح النائب عن كتلة دولة القانون أسعد البزوني بالقول: إن «رئيس حكومة تصريف الأعمال السابقة مصطفى الكاظمي متورط في العديد من ملفات الفساد خلال الفترة الماضية»، وأضاف أن «حصانة منصب رئيس الوزراء لن تكون عائقا أمام القضاء في ممارسة عمله، وأن هنالك سياقات قانونية ودستورية ستمكن الأجهزة العقابية من الوصول إلى الكاظمي لمساءلته على العديد من صفقات الفساد التي تمت في فترة حكومته». كما نقلت بعض وسائل الإعلام المقربة من الكتل الولائية تصريحات عنيفة بحق الكاظمي ورجاله، أطلقها اعضاء في لجنة النزاهة النيابية في البرلمان العراقي الذي يسيطر عليه الإطار التنسيقي، إذ أكد عضو لجنة النزاهة النيابية علي تركي أن، «رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي وضع نور زهير في واجهة سرقة القرن ليبقى في الظل، فيما أكد أن الكاظمي هو المتهم الأول عنها»، وأضاف أن «المتهم نور زهير وضع في الواجهة لكن رئيس حكومة تصريف الأعمال هو المتهم الرئيسي في سرقة القرن»، مشيرا إلى أن «جميع مستشاري الكاظمي لهم يد ومتورطون في جميع صفقات الفساد التي تمت في الحكومة السابقة». وربما بات طرح سؤال استرجاعي مبررا في هذه الفترة، إذ يتساءل البعض عن كيفية وصول شخصية مثل مصطفى الكاظمي، ليس له ثقل سياسي وحزبي، أو عسكري ميليشياوي، أو حتى كاريزما إعلامية إلى منصب الرجل الأول في العراق. وقد سبق ذلك اشتغال الكاظمي في منصب حساس جدا على رأس أخطر جهاز في الدولة وهو، إدارة المخابرات العامة في مرحلة حرجة هي حقبة القتال ضد تنظيم الدولة (داعش) الإرهابي. وقد اوضح الكاظمي نفسه بعض هذه لجريدة «الشرق الأوسط»، عندما سألته: متى طرح اسمك لرئاسة الوزراء؟، فقال:» طُرح اسمي للمرة الأولى في عام 2018 بعد استقالة حكومة السيد حيدر العبادي.. طرح اسمي لكنني اعتذرت»، والمفارقة أن حكومة العبادي لم تستقل، بل انتهت مدتها الدستورية بانتخابات برلمانية لم ينجح فيها العبادي في الحصول على ولاية ثانية، ثم يضيف الكاظمي مبينا أن المرة الثانية التي طرح فيها اسمه كمرشح لرئاسة الحكومة كان بعد اشتعال انتفاضة تشرين، التي اطاحت حكومة سلفه عادل عبد المهدي، ويضيف «اعتذرت لأن الوضع كان معقداً، وغالبية المدن العراقية كانت ساخطة وساقطة بيد المتظاهرين، وكان الظرف السياسي لا يسمح». ويؤكد الكاظمي أنه وافق لاحقا، مضطرا على تحمل المسؤولية بقوله: «في المرحلة الأخيرة تم طرحي كمرشح خامس لرئاسة الوزراء، فقلت إنني لن أتولى المسؤولية إن لم يتوافر توافق كامل. قبلت المسؤولية لسبب واحد بسيط هو أنني كنت أرى المشهد العراقي متجهاً نحو الحرب الأهلية، قبلت المسؤولية في غياب كل شروط النجاح، وافقت لحقن دماء العراقيين». من جانب آخر من المشهد، أثار الظهور الأخير لمصطفى الكاظمي في زيارته لطهران والتقائه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الكثير من التساؤلات والتكهنات، إذ صرح البعض أن زيارة الكاظمي جاءت استكمالا لدوره كوسيط بين طهران وواشنطن، أو دوره في استكمال جولات تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، الذي ابتدأه إبان رئاسته للحكومة، حتى إن أصبح اليوم خارج المناصب الرسمية، لكن بعض المحللين أشاروا إلى صعوبة قبول الرأي القائل بأن زيارة الكاظمي لطهران كانت بوصفه وسيطا دوليا.

وقُرأت زيارة الكاظمي التي شاركه فيها رئيس الجمهورية الأسبق برهم صالح، على أنها نوع من البحث عن خلاص من الأزمات والتهديدات التي تحيق بهما نتيجة حملة الولائيين عليهما في الفترة الاخيرة. وقد أشار البعض إلى معلومات خطيرة لم يتسن التأكد من مصداقيتها مثل: أن «وجود برهم صالح، ومصطفى الكاظمي في طهران يتعلق بالتحقيقات القضائية التي تجريها طهران في مقتل قاسم سليماني، وجرى أخذ إفادتيهما قضائيا، ولذلك وجد وزير خارجية إيران بعدها في بغداد، وتحدث حول إنهاء طهران ملف التحقيق في مقتل قاسم سليماني». من جانب أخر يرى بعض المراقبين أن رئيس الوزراء السابق ورئيس الجمهورية السابق، باتا خارج سياق اللعبة السياسية لأنهما لا يملكان نفوذا سياسيا، أو حزبيا، أو حضورا يؤهلهما للعب أدوار مستقبلية، فنراهما اليوم يحجان إلى طهران الممسكة بأغلب خيوط اللعبة السياسية العراقية، بحثا عن دور قادم، والسعي إلى عدم تغيبيهما عن المشهد السياسي. والنتيجة التي يمكن أن نقرأها اليوم هي أن كل رجال الكاظمي يعيشون خوفا حقيقيا من أن يقدموا ككباش فداء، وأن يتم تحميلهم تبعات كوارث عقدين من الحكومات الفاسدة والفاشلة في العراق، وعندها لن يكون أمامهم من سبيل للدفاع عن أنفسهم في دولة نخرها الفساد، ووصل فيها إلى أعلى مراحل القضاء، فهل سيتمكن الكاظمي من إيقاف هذا السيناريو؟ لا أحد يعلم حتى الآن.
كاتب عراقي

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...