عن قضية محمد مُبديع

إيطاليا تلغراف

 

 

 

محمد أحمد بنّيس

 

أطلق الملك الراحل الحسن الثاني، في سبتمبر/ أيلول 1972 حملة تطهير داخل الحكومة المغربية آنذاك، استهدفت محاكمة وزراء ومسؤولين بارزين تورّطوا في قضايا فساد. وكان واضحاً أن الحملة جاءت في سياق ما بعد محاولتي الانقلاب الفاشلتين اللتين استهدفتا الحسن الثاني في 1971 و1972؛ فقد كان النظام يتطلّع إلى تجاوز حالة الانحباس السياسي التي كانت تشهدها البلاد وإعادة هيكلة المشهد السياسي بعد الارتجاج الذي أحدثته المحاولتان داخل مؤسّسات الدولة. ولعلّ اللافت في تلك الواقعة، كان قرار الملك بالعفو عن متهمين، شهوراً قليلة بعد إدانتهم من القضاء الذي أصدر في حق معظمهم أحكاماً بالسجن.

مناسبة الإتيان على تلك الواقعة اعتقالُ النائب والوزير السابق محمد مبديع على ذمّة التحقيق في قضايا فساد وتبديد المال العام واستغلال النفوذ، في توقيتٍ دالٍّ يطرح أكثر من علامة استفهام. فالرجل، فضلاً عن أنه قيادي في حزب الحركة الشعبية، اليميني المنتمي حالياً إلى المعارضة البرلمانية، ورئيس للمجلس الجماعي لمدينة الفقيه بن صالح، سبق أن كان وزيراً منتدباً مكلفاً بالوظيفة العمومية، كذلك انتُخب قبل فترة رئيساً للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب. وتطرح إحالتُه على التحقيق أسئلة كثيرة، من قبيل: هل أخطأت قيادة حزبه بترشيحه لرئاسة اللجنة المذكورة؟ هل عجّل انتخابُه على رأسها باعتقاله؟ أو بمعنى أصحّ، هل سبّب هذا الانتخاب حرجاً سياسياً للسلطة في لحظة تتقاطع فيها حساباتُها المتعلقة باحتكار الحقل السياسي وإعادة هيكلته، بعد هزيمة الإسلاميين في انتخابات 2021، مع سياق إقليمي بات يطرح تحدّياتٍ كبرى عليها، ولا سيما في ظل تواتر تقارير تعتبرُها معادية للمغرب، أبرزها القرار الذي تبنّاه البرلمان الأوروبي، مطلع السنة الجارية، بشأن الحقوق والحرّيات في المغرب؟ هل أصبح فساد النخب المحلية التي تُدير مجالس العمالات (المحافظات) والأقاليم والجهات عبئاً على السلطة التي، ربما، وجدت نفسها في ورطةٍ في ظلّ الصعوبات التي تجابهها في تنزيل مقتضيات ”الجهوية المتقدّمة” على أرض الواقع؟ هل باتت الحساسية المتزايدة للرأي العام المغربي تجاه الفساد مقلقةً لهذه السلطة؟

تُلقي هذه الأسئلة بظلالها على قضية محمد مبديع بقدْرٍ أو بآخر، وهو ما يعني أنّ هناك سيناريوهيْن اثنيْن لها: الأول أنّ تؤول، بصيغةٍ ما، إلى ما آلت إليه قضية الوزراء (1972). والثاني، وهو الأرجح، أن تنتهي بإدانة مُبديع وسجنه، ما قد يفتح الباب أمام طوْر جديد في تعاطي السلطة مع النخب المحلية الغارقة في الفساد. وبذلك تكون هذه القضية بمثابة رسالة إلى الطبقة السياسية التقليدية بضرورة تجديد نخبها المحلية، والانفتاح على شرائح اجتماعية جديدة.

تتحمّل قيادة حزب ‘الحركة الشعبية مسؤولية أخلاقية وسياسية في دفع محمد مبديع إلى رئاسة لجنة برلمانية حسّاسة بحجم لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، فمن بديهيّات العمل السياسي أن تتجنّب الأحزاب ترشيح أعضائها ممن تحوم حولهم شبهات الفساد، للمناصب العامة، لأنّ ذلك يشكّل حسماً من رصيدها السياسي والنضالي، هذا إن وُجد أصلاً، وإساءةً لقواعدها والرأي العام، فالمفترض بالنسبة إلى الحركة الشعبية وغيرها من أحزاب ”المعارضة البرلمانية” أن تبلور خطاباً معارضاً لحكومة عزيز أخنوش، بما يمنح بعض المعنى للسياسة المغربية.

في الأنظمة الديمقراطية التي تحترم شعوبها، تتجنّبُ النخب والأحزاب كل ما من شأنه أن يخدش صورتها السياسية والأخلاقية لدى الرأي العام، حتى لو تعلق الأمر بشبهاتٍ غير مؤكّدة. من هنا، كان انتخاب مبديع على رأس اللجنة المذكورة إحراجاً للسلطة وخلطاً للأوراق في مشهد سياسي مأزوم، وإساءة لصورة البلاد على الصعيد الخارجي. صحيحٌ أن مبدأ ”قرينة البراءة” يبقى الأصل بالنسبة إلى مبديع الذي لا يزال متّهماً، لكن الأمر يختلف في السياسة وتقاطعاتها الظاهرة والمضمرة.

المأمول أن يكون اعتقال مُبديع مدخلاً إلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نصّ عليه دستور 2011، لا مجرّد ذر للرماد في العيون في ظرفية اجتماعية واقتصادية حرجة، أو تصفية حساباتٍ داخل مربّع السلطة.

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...