عبد القادر الفرساوي
في تلك البلاد التي تُعرف بأرض شنقيط، و التي ولدت من رمل و رياح، حيث تتمازج رمال الصحراء مع تاريخ عريق من العلم والفصاحة، تترقب موريتانيا الانتخابات الرئاسية المقررة في 29 يونيو/حزيران المقبل، تترقب الأنظار من سيقود هذا البلد الغني بتاريخه و فقير بموارده في رحلة نحو مستقبل مأمول. بلد يجمع بين أصالة الماضي وأحلام المستقبل.
موريتانيا تستحق قيادةً تُعزز من مكانتها، وتبعث في شبابها روح الأمل والعزيمة، لتدفعهم نحو تحقيق مستقبل مشرق وآفاق جديدة.
في هذا السياق الثري، يأتي الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، في مقدمة المرشحين، ساعيًا للفوز بولاية ثانية. الجنرال ولد الغزواني، الذي دخل السياسة من بوابة المؤسسة العسكرية، يتقدم يرتقي برايات العسكرية إلى أبعد الآفاق، فهو شخصية عسكرية له تجربة في مجالات الأمن والاستخبارات، حيث برز بشكل لافت في تحويل نقاط الضعف إلى مواطن قوة تجعله يصل سدة الحكم بقوة و هو اليوم يمتلك دعماً قوياً من الجيش ورجال الأعمال وشيوخ القبائل. رغم أنه يقف على أرض صلبة وإن كانت متزعزعة بفعل الانتقادات المتزايدة التي تتهمه بالتساهل مع الأنظمة السابقة و العودة بالبلاد إلى مربع الفوضى. فهو يواجه تحديات كبيرة، أبرزها البطالة المتفشية وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى التوترات الأمنية مع مالي وقضية الهجرة مع الاتحاد الأوروبي.
بيرام ولد اعبيد، البالغ من العمر ثمانية وخمسين عامًا، يعد من أبرز الشخصيات في المعترك السياسي والحقوقي في موريتانيا منذ تسعينيات القرن الماضي. ينتمي لشريحة “الحراطين”، وهي التسمية التي تطلق على الأشخاص الذين عانوا من الرق، وغالبيتهم من ذوي البشرة السمراء.
بدأت شرارة نضاله الحقوقي مع حركة “نجدة العبيد”، قبل أن يؤسس حركة “إيرا” عام 2007، ليخوض من خلالها حملات واسعة النطاق، محليًا ودوليًا، لمناهضة العبودية ومخلفات الاسترقاق. جاب العالم بصوتٍ ثائر، مُطالبًا بالحرية والكرامة لكل من عانى من الظلم والقهر.
يترشح للرئاسة للمرة الثالثة على التوالي، بعد أن حصد المركز الثاني في رئاسيات 2019 خلف الرئيس غزواني، متفوقًا على تحالف من أحزاب المعارضة. ورغم أن شعبيته تراجعت بعض الشيء بعد انسحاب قيادات وازنة من تحالفه واقترابه من الرئيس الحالي في بداية مأموريته، إلا أنه استعاد زخمه السياسي بالابتعاد مجددًا عن الرئيس مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية.
بصفته نائبًا برلمانيًا ورئيسًا لحركة “إيرا”، جعل بيرام من مكافحة العبودية والفساد قضيته الأساسية. يخوض الانتخابات بخطاب مؤثر يجذب العديد من الفئات المهمشة، ليكون صرخة مدوية ضد الظلم والاستبداد. ورغم سجنه المتكرر بسبب مواقفه الجريئة، إلا أن شعبيته تتزايد، مما يجعله مرشحًا قويًا في السباق الرئاسي، ومرة أخرى يسعى لتحقيق حلمه في الرئاسة في هذه المحاولة الثالثة على التوالي.
العيد ولد محمدن امبارك، المحامي والسياسي الصاعد، يترشح لأول مرة وهو في الخامسة والأربعين من عمره، حاملاً في جعبته خبرات تتجاوز السنين. تخرج من المدرسة الوطنية للمحامين بباريس، وأكمل دراساته الأكاديمية في القانون الخاص من جامعة نواكشوط. قضى عقدين من الزمن يمارس المحاماة، مكرسًا نفسه للدفاع عن الحق والعدل. انخرط في العمل الحقوقي من خلال منظمة”نجدة العبيد”، حيث ناضل من أجل حقوق الإنسان والكرامة.
انتقل إلى الساحة السياسية بانضمامه لحزب “التكتل” المعارض، وانتخب نائبًا عنه في عام 2018. وفي عام 2023، جددت الثقة فيه كنائب عن “حزب الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية”. يلقى دعمه من “تحالف قوى الإنقاذ”، الذي يضم بين أجنحته “حزب الجبهة الديمقراطية” الذي كان الحصان الأسود في الانتخابات النيابية الأخيرة بعد أن حصد 7 مقاعد برلمانية، إلى جانب “حزب تحالف قوى التقدم” ذو التوجه القومي، و”حزب القوى الوطنية”، و”الحركة الشعبية التقدمية”، وحركة”نستطيع”،و”منتدى الوعي الديمقراطي”.
رغم انتمائه للمعارضة، يُعتبر مقربًا من النظام الحاكم، مما يضعه في موقع فريد بين المرشحين. تحدياته تكمن في قلة الخبرة داخل السلطة، لكنه يبقى شخصية واعدة تحمل رؤية جديدة لمستقبل موريتانيا. بخطابه المعتدل وعلاقاته الواسعة في الوسط الأكاديمي والحقوقي، ينطلق العيد ولد محمدن امبارك في رحلته الانتخابية، مؤمنًا بإمكانية تحقيق التغيير والإصلاح، ومصممًا على بناء مستقبل مشرق للبلاد.
محمد الأمين المترجي الوافي:
ولد الوافي، شاب يميل لجناح النظام، يمتطي مركب السياسة بخطوات متحركة وثابتة في نفس الوقت. يترنح بين متاهات الانتخابات، تاركًا أثرًا خافتًا في ذاكرة الانتخابات السابقة. اسمه، محمد الأمين المرتجى الوافي، يحمل الطابع الجديد والأمل في مشهد السياسة.
بعد رحلة قصيرة في الانتخابات عام 2019، حيث لم ينال سوى نسبة ضئيلة من الأصوات 0.4 بالمائة، قرر الوافي العودة من جديد، وهذه المرة بكل ثقة وتصميم. في الثالث من مايو، كانت له الخطوة الكبيرة، تقديم ملف ترشيحه للمجلس الدستوري، متطلعًا للمركز الثاني بعد الرئيس نفسه، في خطوة تحمل بين طياتها الآمال والتحديات.
تلقى الوافي دعمًا واسعًا من داخل النظام، حيث حصل على التزكيات اللازمة من مجموعة من المستشارين المؤثرين في الحزب الحاكم، مما يعكس ثقتهم في قدراته وإمكانياته.
في كلماته، ينم عن ثقة مطلقة في نجاحه، مؤكدًا أنه مصمم على تحقيق النجاح هذه المرة، وتحقيق أهدافه وتطلعاته السياسية.
تختلف الآراء حول ترشيح الوافي، فبينما يراه البعض كخطوة استراتيجية من السلطة لزيادة الاختلاف في المنافسة، يراه آخرون كخطوة جديرة بالتقدير تعزز من قوة العملية الديمقراطية وتزيد من شفافيتها وتنوعها.
مامادو بوكارى با، الرجل الذي ينبض بروح العطاء والتجديد، ينتمي إلى الأقلية الزنجية من قومية “الفلان”، حاملًا على كتفيه أمانة تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم في ساحة السياسة. تُعتبر هذه التجربة الأولى له في الترشح للرئاسيات، حيث يتحدى التحديات بشجاعة وعزيمة.
وكان مامادو، المؤسس لحركة “أفلام”، قد تولى مؤخرًا رئاسة “حزب العدالة الديمقراطية حركة التجديد”، الذي يجسد روح التغيير والتجديد، ويسعى جاهدًا للنهوض بحقوق الأقلية الزنجية في الجنوب الموريتاني. يعود تاريخ تأسيسه لعام 2007، حيث شارك بناء هذا الحزب الذي حقق في الانتخابات النيابية الأخيرة انتصارًا بحصد أربع مقاعد برلمانية، مما يبرز شعبيته وقبوله بين الناخبين.
وفي خطاب إعلان ترشحه، عبّر مامادو عن تصميمه الراسخ على مكافحة الفقر والبطالة، وتعزيز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين أبناء الوطن، والقضاء على ظاهرة العبودية التي لا مكان لها في عصرنا الحديث. كما أكد على أهمية تعزيز وترسيخ اللغات الوطنية ومنحها الطابع الرسمي، لتحتل مكانة مرموقة في الحياة الثقافية والاجتماعية للموريتانيين.
أتوما أنتوان سليمان سومارى،رئيس حزب “طلائع قوى التغيير الدمقراطي”، البروفيسور الطبيب الذي يحمل في داخله طموحات تتجاوز جدران غرف العمليات لتبلغ قمة السلطة في القصر الرئاسي. ينحدر من جذور قومية سونونكية زنجية، حيث تجتمع فيه ألوان الهوية واللغة والعرفان بالدين. يتقن العربية بلغة سلسة كلما حدث، ويُعرف بالتزامه الديني الإسلامي العميق، الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من شخصيته.
حصل على شهادة الطب من كلية مرسيليا في عام 1999، حاملاً جنسية فرنسية تتوافق مع تحليه بالتربية والثقافة الغربية. خلال مسيرته المهنية، تولى منصب مدير مستشفى الأعصاب في موريتانيا، ويُعتبر الآن من بين أساتذة كلية الطب بنواكشوط، حيث يُلقي دروساً في التشريح وجراحة الأعصاب، مشيناً على نهج العلم والتعليم النير.
وقد اتخذ المصباح شعاراً لحملته الانتخابية، معبراً عن إشراقته النيرة ورغبته في إضاءة دروب العدالة ومحاربة الفساد. يتعهد بقطيعة شاملة مع ممارسات الأنظمة السابقة، في حال انتخابه لتحقيق تغيير حقيقي يصب في صالح شعبه ومستقبل بلاده. ويحظى بدعم نخبة من الأكاديميين والسياسيين الموريتانيين، بالإضافة إلى دعم الشباب الطموح والمتحمس، مما جعله ينضم إليه تيارات عدة وأحزاب في مرحلة التأسيس، وهو يستعد للمنافسة بعزيمة وثبات في الانتخابات القادمة.
حمادي ولد سيدي المختار:الفقيه الواعظ ذو الأربعين وتسع سنوات، يتربع على عرش العلم والمحافظة. ينحدر من أسرة عريقة في العلوم الشرعية، وأصوله تتميز بالتمسك بالتقاليد الدينية والثقافة الإسلامية. تلقى تعليمه في إحدى المحاظر الموريتانية، حيث تسلم طلاب العلوم الشرعية بمبادئ الفقه والتشريع وفق المنهج المشيخي التقليدي، واستمر في مسيرته التعليمية حتى التخرج من جامعة العلوم الإسلامية بموريتانيا.
تجسدت مسيرته السياسية في انتخابه كنائب برلماني لمأمورتين متتاليتين، ممثلاً لدائرة مقاطعة “كيفه” في الشرق الموريتاني، وفي الوقت الحالي، يتولى رئاسة “مؤسسة المعارضة الديمقراطية” ويتزعم “حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” المعروف بـ (تواصل)، وهو الحزب الذي يحمل على عاتقه التوجه الإسلامي. يعتبر الحزب الأكثر تمثيلاً في البرلمان من بين أحزاب المعارضة، حيث يحتل 11 مقعدًا من أصل 176
يتمتع حزبه بشعبية واسعة في مختلف أرجاء موريتانيا، ورغم التحديات التي واجهها في السنوات الأخيرة، يظل الحزب رائدًا في صفوف المعارضة، متفوقًا بشكل لافت. ويرى المراقبون في ولد سيدي المختار منافسًا قويًا للمرشح الحقوقي بيرام الداه اعبيد، على المركز الثاني في الانتخابات المقبلة، مما يزيد من حماسة المشهد السياسي في موريتانيا.
و قد كان من بين المترشحين أيضا الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز و الذي كانت نيته أن يخوض الانتخابات من داخل السجن ،و الذي حكم عليه بالسجن في عام 2023 بتهمة الإثراء غير المشروع، غير أنه تم استبعاده من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024 بعد فشله في حشد الدعم اللازم.
بناءً على علاقةٍ قوية وراسخة، تجمعت الأواصر بين الرجلين لسنواتٍ عديدة، حيث تعلّموا و درسوا سويّاً في كلية العلوم العسكرية بمكناس في المملكة المغربية، واندمجوا في مساراتٍ متشابهة داخل أروقة العمل العسكري. وليس هذا فحسب، فإن زواج الرئيس الحالي وأم إحدى بناته من ابنة عم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أضاف بعداً جديداً لهذه العلاقة المعقدة والمتشابكة.
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها الساحة السياسية الموريتانية، تبقى الانتخابات المقبلة محطة هامة في تاريخ البلاد. انضمام رموز المعارضة التقليدية لدعم الرئيس الحالي، وتحولات المشهد السياسي، تجعل من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات. ومع ذلك، يبقى الأمل في أن تفتح هذه الانتخابات فصلاً جديدًا في مسيرة موريتانيا نحو التنمية والاستقرار.
موريتانيا، بأصالتها وإرثها الثقافي الغني، تستحق قيادة تُقدر قيمتها وتعمل على النهوض بها. الانتخابات الرئاسية المقبلة ليست مجرد حدث سياسي، بل هي فرصة لرسم ملامح مستقبل مشرق لهذا البلد العظيم. من سينجح في قيادة موريتانيا في السنوات القادمة؟ هذا ما ستكشفه صناديق الاقتراع في 29 يونيو/حزيران المقبل.
موريتانيا ليست مجرد صحراء، بل هي أرض العلم والفصاحة، أرض شنقيط التي لطالما كانت منارة للمعرفة والثقافة. الأمل كبير في أن تكون هذه الانتخابات خطوة نحو مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا.