ذ.محمد بحسي
إعلامي من بلجيكا
صحيح أن التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا لم يحقق في الانتخابات التشريعية تلك الأغلبية المطلقة التي كان يحلم بها والتي بشرته بها استطلاعات الرأي بعد فوزه الساحق في الانتخابات الأوروبية، ولكنه أحدث تغيرات قد تكون تاريخية في المشهدالسياسي الفرنسي:
1- هزيمة اليمين المتطرف في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية لم تكن لتتحقق لولا تحالفات هجينة في اللحظات الأخيرة بين مكونات اليسار المشتتة ثم تنازلات وتوافقات انتخابوية بين الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار) والتيار الماكروني الذي كان على شفا الانهيار.
2 – رغم كل هذه “الدسائس” الانتخابية استطاع التجمع الوطني المتطرف أن يضاعف تقريبا عدد مقاعده بالبرلمان ويصبح قوة معارضة يحسب لها ألف حساب هذا إذا لم يدخل في ائتلاف حكومي عكس كل التصريحات لأنه كما يقال ليس في السياسةصديقدائمولا عدو دائم وإنما مصالح دائمة.
3- استطاع اليمين المتطرف إرباك كل الحسابات وخلق وضع سياسي لم يسبق لفرنسا أن عرفته وهو عدم حصول أية تشكيلة سياسية على الأغلبية المريحة التي تمكنها من تشكيل حكومة متجانسة ببرنامج موحد ومتفق عليه، بل بات البرلمان الفرنسي يشبه لوحة موزاييك مبعثرة ما يجعل تشكيل الحكومة سيتطلب كثيرا من الجهد والمفاوضات والتوافقات والتنازلات ويبقى رغم ذلك كيانا هشا مهددا بالسقوط في أية لحظة والعودة الى خانة الانتخابات المبكرة ..
4- لأول مرة في تاريخ فرنسا يحصل اليمين المتطرف على مقعدين في “مستعمرات” ما وراء البحار ويرسل إلى باريس وجهين غير أبيضين من مستعمرتي لاريونيون ومايوت.
5- استطاع التجمع الوطني ان يقنع فئات عريضة من الأقليات أنه لا يشبه الجبهة الوطنية التي أسسها النازيون وعلى رأسهم جون ماري لوپين رغم أن العائلة لازالت تتحكم في مفاصل الحزب عن طريق ابنته مارين لوپين . وهكذا نرى ان عددا كبيرا من اليهود والأفارقة وحتى العرب قرروا التصويت لحزب بارديلا بل والنضال في صفوفه وهو أمر لم يكن يخطر في الحسبان منذ سنوات قليلة مضت..
6- تصويت فرنسيي الخارج بمن فيهم المقيمون في الدول العربية والإسلامية بنسب لا بأس بها لليمين المتطرف عكس ما كان معهودا من قبل حيث كانت الجاليات تصوت عادة للأحزاب الديموقراطية الجمهورية.
7- هزيمة اليمين المتطرف بالطريقة التي تمت تعطيه ورقة المظلومية وتجعل منه “بطلا تآمر عليه أعداء الشعب الفرنسي والهوية الفرنسية” وتعطيه مصداقية أكثر لدى الشعب الفرنسي ستمكنه في أية لحظة من الوصول إلى سدة الحكم خاصة إذا انفرط عقد تحالف اليسار الهش أصلا.