سبتة و امليلية: الحق التاريخي يتفوق على السياسة الملكية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.عبد القادر الفرساوي

 

 

 

في سياقٍ سياسيٍّ مُضطرب، تتصاعد الأصوات في إسبانيا، مطالبةً بزيارة ملكية للملك فيليبي السادس إلى سبتة و امليلية، وكأنَّ هذه الخطوة قد تُغيِّر من حقائق التاريخ والجغرافيا. هذه المطالبات تأتي من جهات سياسية ترى في هذه الزيارة إثباتًا لـ”إسبانية” المدينتين، متناسيةً أو متجاهلةً جذورهما المغربية التي لا يختلف عليها العارفون بالتاريخ.

يبدو أن بعض الأحزاب الإسبانية تأمل أن زيارة ملكية إلى سبتة ومليلية ستؤدي إلى سحر ما يغير واقعاً تاريخياً وجغرافياً عميقاً. هل تعتقدون أن الملك سيأتي ومعه عصا سحرية لتغيير الخريطة؟ يبدون وكأنهم يعتقدون أن زيارة ملكية قد تعيد رسم الحدود الجغرافية كما يشاءون. نسي هؤلاء الساسة أن السيطرة الإسبانية على المدينتين في القرن السادس عشر لم تُغير من هويتهما الجغرافية ولا التاريخية.

سبتة و امليلية مدينتان تقعان على الساحل الشمالي للمغرب، وتشكلان جزءًا من الأراضي المغربية منذ العصور القديمة. السيطرة الإسبانية على المدينتين بدأت في القرن السادس عشر، لكن ذلك لم يغير من هويتهما الجغرافية و لا التاريخية. فالتاريخ يُظهر بوضوح أن المدينتين كانتا تحت سيادة مغربية قبل الاستعمار الأوروبي.

التاريخ يوضح بجلاء أن سبتة ومليلية كانتا تحت السيادة المغربية قبل الاستعمار الأوروبي. يُشير العديد من المؤرخين الإسبان والمثقفين إلى أن “السيطرة الإسبانية على سبتة ومليلية لم تُغير من حقيقة أنهما أراضٍ مغربية تاريخيًا”، وأن مسألة السيادة عليهما كانت دائمًا موضع جدل سياسي. هذا الرأي يعكس مواقف شائعة بين العديد من المفكرين الإسبان الذين يعترفون بأن وضع المدينتين يظل مسألة استعمارية يجب معالجتها في إطار القانون الدولي.
المسألة ليست مجرد نقاش تاريخي، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد سياسية ودبلوماسية. على مر السنوات، تجنبت العديد من الحكومات الإسبانية القيام بخطوات تُثير حساسية المغرب، حيث يُعتبر أي تحرك لإضفاء طابع إسباني رسمي على المدينتين بمثابة استفزاز. يقول خافيير سولانا، وزير الخارجية الإسباني الأسبق، إن “العلاقة مع المغرب هي من أكثر العلاقات تعقيدًا وحساسية في السياسة الخارجية الإسبانية. أي خطوة غير محسوبة يمكن أن تُؤدي إلى توتر غير مرغوب فيه بين البلدين.”

وفي هذا السياق، يُلاحظ أن الملك فيليبي السادس، كباقي المسؤولين الإسبان، يحاول تجنب القيام بخطوات تُزعزع الاستقرار الدبلوماسي. هذا ليس فقط نتيجة للضغوط السياسية الداخلية من بعض الأحزاب والجماعات، بل هو أيضًا نتيجة لتقدير متبادل بين الدولتين على ضرورة الحفاظ على علاقات مستقرة ومثمرة.

لا يمكن النظر إلى مستقبل سبتة و امليلية بمعزل عن التطورات الإقليمية والدولية. فالتحولات الجيوسياسية في المنطقة، والعلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا، تلعب دورًا محوريًا في تحديد مستقبل هذه المدن. التعاون المتزايد بين البلدين في مجالات مثل مكافحة الهجرة غير النظامية والإرهاب، وتنظيم الأحداث الرياضية المشتركة مثل كأس العالم 2030، يشير إلى أن كلا البلدين يدركان أهمية بناء علاقات إيجابية ومستقرة.

في النهاية، تبقى مسألة سبتة و امليلية جزءًا من إرث استعماري، يحتاج إلى تسوية عادلة ومنصفة. والمغرب يظل ثابتًا في موقفه التاريخي والقانوني، معتمدًا على حقائق لا يمكن إنكارها. أما الأصوات المطالبة بزيارة ملكية، فهي قد تكون مجرد صدى لسياسات داخلية تبحث عن استعراض القوة، لكن الحقيقة تبقى واضحة: سبتة و امليلية هما جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.

في خضم هذا الجدل، يبدو أن بعض السياسيين الإسبان ينسون حقيقة جغرافية بديهية: إسبانيا تقع في القارة الأوروبية، بينما سبتة و امليلية تقعان في القارة الافريقية. هذا الفارق الجغرافي ليس مجرد تفاصيل صغيرة، بل هو تأكيد على أن المدينتين جزء من التراب الإفريقي، وبالتالي جزء من الأراضي المغربية. التاريخ والجغرافيا لا يمكن تجاهلهما، فالمغرب وإسبانيا هما بلدان يفصلهما البحر المتوسط، وسبتة و امليلية ليستا مجرد “أراضٍ إسبانية في إفريقيا” كما يحاول البعض تصويرها، بل هما مدينتان مغربيتان بامتياز.
إصرار البعض في إسبانيا على اعتبار المدينتين جزءًا من أراضيها يتجاهل الحقائق الجغرافية والسياسية والتاريخية، ويعكس رغبة في الحفاظ على آثار استعمارية قديمة. ومع ذلك، يظل المغرب ثابتًا في موقفه، مستندًا إلى حقائق لا يمكن إنكارها: سبتة و امليلية جزء لا يتجزأ من إفريقيا، وبالتالي من المغرب. هذه الحقيقة الجغرافية تُضاف إلى الحقيقة التاريخية، وتؤكد أن الوقت سيعيد الأمور إلى نصابها، مهما حاول البعض تغافلها أو تجميل الواقع بخطوات رمزية.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...