إدريس عدار
“الثورة السورية” مركّبة بطريقة تجعل منها ظلا لكل شيء إلا لـ”الثورة”. في مسلسل “ظل المحارب”، تقود الصدفة ممثلا سينمائيا فاشلا إلى لعب دور قائد الثورة الذي يعاني من مريض أقعده الفراش، الذي يشبهه في الملامح، وسيتحول من كومبارس إلى بطل حقيقي يقود شعبه نحو التحرر، والذي يلعب دوره الفنان هشام سليم. أبو محمد الجولاني كان في دور الكومبارس وتحول إلى القائد الحقيقي لسوريا الجديدة. الفرق بين الممثلين أن البطل في ظل المحارب سيقود فعلا شعبه إلى التحرر من القوى الأجنبية بينما في مسلسل الثورة السورية فهو يقود شعبه ليكون تحت الاحتلال. “
الثورة السورية” ولأغراض مصلحية تحالفت مع الشيطان، الشيطان الأكبر والمتوسط والأصغر. ووجدت من يدافع عنها ويبحث لها عن مبررات لذلك. غير أن التحالف مع الشيطان له ثمن. فهو لا يؤدي أي دور في الاحتضان دون أن يأخذ مقابله أضعافا مضاعفة. الشيطان ليس فاعل خير وإنما صاحب مصالح يسعى لتحقيقها. لهذا لابد أن تكون له شروط يلزم “الثوار” تنفيذها.
وكتبت سابقا عن صانعي “الثورة السورية”، الذين تحدثوا عنها بأشكال مختلفة، يمكن تلخيصها فيما ورد في بيان الحزب الشيوعي البريطاني المعنون دون لف ولا دوران بـ”أيها الإمبرياليون ارفعوا أيديكم عن سوريا”، إذ تعتبر أحداث 2011 انكشافا للأزمة السورية وليست بدايتها، وقد تمت رعايتها باكرا لدرجة تهيئة الإرهابيين على يدي الجولاني المستقدم من العراق إلى غازي عنتاب بتركيا وإرسالهم إلى درعا ليخرجوا مباشرة بعد بداية الاحتجاجات. التذكير بأن “الثورة السورية” صناعة فقط للربط مع ما فاه به قادة الكيان المؤقت. بعد الاتفاق الذي وقعه نتنياهو مضطرا مع لبنان تحت ضربات قوية لح.الله، قال “إن الأسد يلعب بالنار”، وفي تناغم مع هذا الكلام تحركت المجاميع الإرهابية، التي كانت تعد العدة تحت إشراف مباشر للمخابرات التركية وبتوجيه من العثماني أردوغان.
هذا التناغم ليس صدفة، وعندما قال إنه سيهاجم اليمن تحركت جماعة الإخوان المسلمين تحت شعار تحرير صنعاء. وبعد سقوط النظام في سوريا قال نتنياهو لقد “ساهمنا في إسقاط الأسد”. لكن خرج وزير حربه أمس ليقول “أسقطنا الأسد”. لم يعقب الجولاني على هذا الكلام. في الواقع ينبغي أن يخرج ليصرخ قائلا بأنهم ثاروا لوحدهم. لن أذكر هنا بكل من قال إنها ثورة مصنوعة ولكن يكفي ذكر أسماء هيلاري كلينتون وحمد بن جاسم وإدوارد سنودن. ولكن يصرون على أن “الثورة” حقيقية ومستقلة. لكن في المقابل هو يتحدث كثيرا عن إيران وحزب الله والنظام السابق. وهؤلاء أعداؤه فقط. الآخرون يمكن أن يكون صديقا لهم.
عندما يتحدث القادة الإيرانيين عما ينبغي أن يحدث يقولون بأنه يلزم احترام إرادة الشعب السوري دون مصادرة حقه. وعندما يتحدثون عن التوقعات يحذرون من أن الآتي ليس في مصلحة السوريين بل يعتبرون حتى القوى الدولية والإقليمية التي اعتبرت نفسها ربحت الصراع في سوريا سيكون فرحها مؤقتا. وهذه توقعات قد تحدث ولا تحدث. فجاء الرد سريعا من وزير خارجية حكومة الأمر الواقع بدمشق الذي قال “يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، ونحذرهم من بث الفوضى في سوريا، ونحملهم تداعيات التصريحات الأخيرة”.
وقال الجولاني في حوار مع الشرق الأوسط “إن إيران كانت تستعمل دمشق لمراقبة أربع عواصم عربية”. وعندما سئل الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام التي لم تسقط عنها صفة الإرهابية بعد، عن الموقف من إسرائيل، قال في أكثر من موقع إنهم ليسوا في وارد الدخول في حرب جديدة، ولم يتحدث عن الجولان المحتل وقال بأنهم راسلوا الأمم المتحدة قصد خروج إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بعد الثامن من دجنبر، ولم ينبس ببنت شفة عن الاحتلال الأمريكي لشرق سوريا والاحتلال التركي للساحل ومناطق أخرى. قد تكون للجولاني وجهة نظر مختلفة في ترتيب الأولويات الكبرى لسوريا الجديدة.
تُسعفنا “الناصرية*” في ترتيب القضايا الكبرى للدول والشعوب، حيث يعتبر السيادة أم الأولويات الكبرى لأي دولة، إذ لا تنمية ولا توزيع ثروة بين الناس ولا عدالة اجتماعية ولا ديمقراطية ولا حريات ولا غيرها دون أن تتوفر البلاد على سيادة، وهي التي ركز عليها الزعيم الخالد واستطاع من خلالها توفير السيادة الغذائية والصناعية ومن خلالها أمّم قناة السويس، التي تذر على مصر إلى اليوم مداخيل مهمة، وبعدها يمكن مناقشة أي شيء آخر خلال الحقبة الناصرية يمكن الاتفاق والاختلاف حولها، لكن في موضوع السيادة لا يتزيّد عليه أحد.
في سوريا الأسد تحققت السيادة، من خلال رفض الهيمنة الأمريكية وعدم توقيع وديعة رابين، التي أرادت منح سوريا السلام وسلبها سيادتها، وفضلت دمشق الاحتفاظ باتفاق وقف إطلاق النار على توقيع اتفاق ينتقص من سيادتها، والتشنيع عليها بالوجود الإيراني والروسي هو لضرب صورة الدولة السيادية رغم أن وجودهم كان وفق اتفاقيات بينية لا يرفضها في العلاقات الدولية إلا من يفهم الجيوبوليتيك بطريقة متوحشة. وبفضل السيادة حققت اكتفاء ذاتيا في ميدان الغذاء ودعم مهم فيما يتعلق باستهلاك الكهرباء والمازوت وأغلب المواد الغذائية والسكن وغيرها.
سوريا الجديدة، تتحدث عن كل شيء إلا السيادة، غير أنها لا تنسى معنى السيادة في حديثها عن إيران، وهنا يتشابه الجولاني مع السياديين في لبنان، سمير جعجع وسامي جميل ومارك ضو وشارل جبور وغيرهم، يتحدثون صباح مساء عن السيادة، لكن منذ وقف إطلاق النار لم يتحدثوا ولو مرة واحدة عن خرق “إسرائيل” للاتفاق، والشيء نفسه يذكر عن الجولاني، الذي قال إن هؤلاء جاؤوا يصفون معنا قضية عمرها 1400 سنة، ويتحدث عن إيران، التي لم يعد لها وجود في سوريا، بينما “إسرائيل”، حطمت كل مدخرات الجيش السوري وهي ملايير الدراهم، ويطالب طهران ب300 مليار دولار تعويضا عن الأضرار التي سببتها للشعب السوري، وهي كانت تمنح مساعدات نفطية لسوريا، بينما لا يقول كلمة واحدة عن الجولان، وهي جزء من التراب السوري، واحتلت أكثر من 500 كيلومتر، ولا يتحدث عن تركيا التي تحتل أراضي سورية وقالت إنها ستقيم ثلاث قواعد عسكرية، ولم تقل إنها اتفقت مع القيادة الجديدة، ولكنها قررت وفقط، وتحتل أمريكا أراضي مهمة وتهيمن على نفط سوريا، ولا يتحدث الجولاني.
السيادة عند ثوار سوريا الجدد مجرد حكاية لا يعرفون لها مدخلا، لأنهم لا يمتلكون مشروعا وإنما أدوات وظيفية يتم تحريكها ممن يمتلك مفاتيحها.
*نسبة إلى جمال عبد الناصر.