هل تتوحّد سورية من جديد؟

إيطاليا تلغراف

 

 

 

فاطمة ياسين

 

 

 

يذهب البيان الصادر قبل أيام عن مجموعة القوى المدنية والعسكرية الفاعلة في شرق سورية بعيداً في إظهار الود تجاه الحكومة المركزية في دمشق، فبعد الكلام الذي قيل عن اجتماعين عقدهما أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في قاعدة الضمير عقب إسقاط نظام الأسد، قرّرت القوى العاملة تحت هذه القوات أن تقترب خطوة إضافية نحو دمشق، بمباركة تنصيب الشرع رئيساً، والموافقة على عقد مزيد من الاجتماعات مع حكومته لزيادة التنسيق بينهما، وتوفير الأمن، وكل ما يمكن لتسهيل عودة اللاجئين، ولكن الأهم من ذلك كله بند قبول الانضمام إلى هيكلية الجيش السوري. تشكّل “قسد” القوة التي حالت دون إزالة الفواصل بين شرق البلاد وغربها. وبالموافقة على الدخول تحت راية الجيش السوري، تكون، من حيث المبدأ، كل العقبات قد أزيلت أمام إتمام وحدة البلاد، وتبقى نقطة مخفية حول العنوان الذي ستنضم “قسد” تحته إلى الجيش السوري، ويبدو أن هذه النقطة لم تُحلّ بعد.

كان الشرع قد اشترط على عبدي أن تدخل قواته ضمن تشكيلات الجيش السوري أفراداً، وليس على شكل وحدة مقاتلة متماسكة، وهو ما رفضه عبدي بشدّة حينها، وأكّد أن القوات الكردية يجب أن تبقى بشكلها الحالي وترفع علم الجيش السوري. وكان الشرع، منذ اللحظة الأولى لدخوله قصر الشعب، قد رفض أن يتعامل مع أي مكوّن سابق على شكل كتلة، وأصرّ على أن للجميع الحق بالمشاركة في مؤسسات الدولة، ولكن بوصفهم أفراداً، وقد انطبق هذا القانون على الأجسام السياسية التي تشكلت في السنوات الماضية تحت عناوين الثورة، وانحلّت الواحد تلو الآخر. وطبق الشرع هذه القاعدة على الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية ردع العدوان نفسها، وكان بعضها حاضراً بقوة وتأثير في العملية، ورغم ذلك، حلت نفسها للدخول بشكل نهائي ضمن تشكيلات الجيش الذي يجرى بناؤه. وبما أن هذه القاعدة قد طُبقت على الجميع، بمن فيهم أصدقاء الأمس، فلا بد أن تطبق على “قسد”.

إصرار مظلوم عبدي على الاحتفاظ بقواته بشكلها الحالي وقراره أن ترابط في مواقعها لا يجعلانها منضوية ضمن الجيش السوري، فهو بهذا القرار يكرّس التقسيم. وباستناده إلى قواتٍ تأتمر بأمره، يكون انضمامها إلى الجيش شكلياً، ويهدّد مفهوم وحدة البلاد. ويدرك عبدي أن الشكل الحالي لمناطق شرق سورية غير قابل للحياة على المدى الطويل، حتى مع تمتّع المنطقة بثروات نفطية، وفيها تدفق مائي من نهري الفرات ودجلة، وبالتالي، مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. ورغم ذلك كله، لا تستطيع المنطقة الحياة في معزل عن قسم سورية الآخر. وهي لا تملك أي منفذ بحري تصدّر منه بترولها الخام، ومحيطها الجغرافي ليس منفتحاً على التعامل معها، فلدى إقليم كردستان العراق اتفاقيات مع تركيا تمنعه من إجراء تعاونٍ بيني مع “قسد”.

تبقى لدى عبدي ورقة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي ورقة مهمّة، يستطيع أن يلعب بها. وقد أظهرت القوات الكردية فيما سبق تفانياً في التخلص من هذا التنظيم، بمساعدة جوية وأرضية من قوات التحالف الدولي. والقائد مظلوم عبدي يرفع الصوت قائلاً إن التنظيم يمكن أن يظهر في أية لحظة، وهذا ادّعاء حقيقي، ولكنه يتجاهل وجود قوة مختلفة في دمشق، وترابط على طول نهر الفرات في المنطقة الفاصلة بين شرق سورية وغربها، ومستعدّة، ولديها النية لمواجهة “داعش” لو ظهر من جديد، فللقوات التي جاءت مع الشرع من الشمال تاريخ طويل في القتال ضد هذا التنظيم، وللشرع نفسه مواجهات شرسة مع أبو بكر البغدادي، ولا شك في استعداده لمثل هذه المواجهة اليوم. بكل تأكيد، يدرك عبدي هذه النقاط جميعها، ويبقى أمامه أن يقرّر الاندماج حتى تصبح سورية جغرافيا واحدة، كما كانت قبل عام 2011.


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...