عقدة الجنين مع دورة الحياة في المشيمة في معادلة سؤال الحقيقة: كيف لم يشنق الجنين نفسه بالحبل السري لِما شاهده عبر الشريط!

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

الدكتور شنفار عبدالله(*)

 

 

يقال في المأثور من القول: “إن الجنين يرى كل دورة وشريط حياته في رحم أمه قبل الولادة”! ويعني إنه استرق السمع وقد اطلع على اللوح المحفوظ وعرف كل ما يدور في علم الغيب والملأ الأعلى!
ويقال أيضًا في تناقض لهذا القول من خلال حديث ينسب للرسول ﷺ: “يولد المولود على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”.

لكن هنا يتبادر للدهن سؤال أساسي وجوهري؛ وهو لماذا لم يذكر الرسول ﷺ؛ الإسلام في هذا الحديث؟ حيث انه يولد الانسان عبارة عن صفحة بيضاء أي فطرة الإسلام والمحيط والمجتمع هما من يعملان ويساهمان في تأطيره ثقافيا واجتماعيا وأيديولوجيا وفكريا؛ سواء بشكل إيجابي أو سلبي؛ بحكم إنه من طبع الإنسان نزعته البحت عن التميز وحب الذات.
ولرسم بروفايل لجنين في رحم أمه منذ الأسبوع الأول؛ حتى اكتمال ال 270 يومًا؛ حيث يفترض إنه رأى عبر ذلك الشريط؛ في الأسابيع الأولى للحمل؛ كيف أن صناعة التفاهة والسخافة؛ من أجل الظهور بمظهر البطل.

وشاهد وتعرف ما الذي يدفع ببعض الأشخاص إلى استغلال وتحين الفرص لركوب الدناءة من أجل الإساءة لسمعة الغير وترويعهم ومحاولة إرباكهم! وعرف ان مفهوم التفاهة لغة؛ هي انعدام القيمة والأهمية، وغياب الإبداع والبلادة والغباء.
كما عاين كيف أن مبدأ خالف الناس لتُعرف، ولكي يكثر المعجبين بك، والمصفقون لك، والمقبلون عليك؛ وكيف يكفي صناعة الحدث من خلال تفاهة أو إشاعة أو كذبة أو حتى بقول كلام مخالف للمنطق والمعقول واليقين؛ من أجل صناعة البوز!
وعاين كيف إن الإشاعة من أخطر الأمراض التي بواسطتها يحاول البعض صنع الأمجاد؛ من خلال وسائل الضغط على الأشخاص والمسؤولين والأغلبية والمتفوقين والخصوم…؛ وغيرهم من الناس ضعاف النفوس والشخصية!

ومفروض انه قد شاهد كيف أقلقت الإشاعة والتفاهة والسخافة العديد من العظماء والمسئولين، وكم هدمت وفككت من علاقات ووشائج وصداقات. وكم هزمت من جيوش وأدخلت من أشخاص إلى السجن وهم أبرياء!
واطلع على كيف ان السبب في المجال العسكري والأمني، في التنصيص على واجب التحفظ ومنع الجنود من التحدث في المقاهي والأماكن العامة التي تخص المجالات التي تهم الحياة العسكرية والحيوية والإستراتيجية والأمنية للبلد وتتبع كل ما من شأنه التأثير على أفكار ومعنويات الجيوش من اشاعات وأخبار زائفة! وكيف تنتشر في بعض الأحيان في عديد من الأماكن العامة ووسائل التواصل والإعلام؛ يافطات كتب عليها: “توقف عن جعل الناس الأغبياء مشهورين”! وبالتالي فالدفع بالتافهين إلى الواجهة والمقدمة، يعد جريمة في حق الإنسانية جمعاء؛ بل هو نوع من زرع الغباء والخوف والرعب الجماعي لدى الجماعات والأفراد.

وإن نهج واتخاذ من سلوك الإشاعة والكذب في زمن السخافة والانحطاط القِيَّمي؛ -أستسمح القاري من كثرة الحشو والإطناب والتكرار والركاكة والإزعاج الفكري والأسلوب المبتذل في التعبير- لكن لمًا يتعلق الأمر بتافه وسخيف وحقير خبيث؛ يطعن في أعراض الناس؛ هنا لا يكفي كل ما جمع قاموس اللغة العربية من كلمات السب والشتم للرد على أمثال هؤلاء الوقحين والانذال المنحطي الخلق!

وكيف شاهد عبر المشيمة عهد وزمن الدهول والشدوه والسقوط والمؤامرة من خلال الصمت والمكر والخداع والسطحية والشرود الدهني وتكثيف في العلاقات الغير تضامنية والنحس والقهر والإذلال والخلل الاجتماعي في العلاقات والنفاق الاجتماعي وشتى العقد والأمراض النفسية؛ في زمان السخافة والرداءة، والتفاهة، والخواء والمتاهة والمقت والردة، والبلادة، والسذاجة والغباء، والعبث، والغدر، والخيانة والمكر والكذب والسوء والخبث والشر والدسائس والمناورة والانحطاط، والرتابة، والوهَن والضحالة، والقحالة في الأسلوب والحقارة، والاستهزاء والازدراء والانتهازية والوصولية والاستخفاف بذكاء وعقول الناس والشعوب والأمم وانعدام المعنى والقيم، وانعدام المروءة، والتدني في الأخلاق؛ وقلة الحياء والأدب؛ -والعياذ بالله-!
وكل ما جمع معجم اللغة العربية من كلمات القبح.
والجري وراء شهرة زائفة ومقيتة؛ والذي يسمح لشخص أو أشخاص قليلون وتافهون وجاهلون ومنحطون وقليلي الحياء؛ بأن يتاجروا في شتى أنواع الإشاعات والكذب.

أميون يحققون أحيانًا من وراء ذلك أرباحًا مادية أو معنوية؛ فيعمدون إلى تبييض أموالهم، في بناء محطات إذاعية يُشغل فيها اشخاص يدعون الصحافة، فيغدون ويصبح؛ هؤلاء التافهون الطفيليون النكرة رمزًا وقدوة ومالكي الحكمة في المجتمع، لا بل أصحاب المشورة والسلطة والقول والرأي الفصيح؛ أمراً ونهيًا ويتحكمون في الرأي العام الاجتماعي والسياسي والثقافي؛ من خلال القدرة على المناورة وصنع الدسائس والمكر وإثقان الخداع والكذب!

هؤلاء المشاؤون بنميم وارتداد لباس التقية أحيانًا الذين يفصلون، وقادرون على ركوب الدناءة من أجل الإساءة للغير!
وكيف ان هؤلاء العاجزون حتى على فهم قضايا المجتمعات وشعوبهم وتناقضاتها ومتطلبات الناس والأمم ومباديء السلم ومعنى التعايش وحسن الجوار الذي كاد الصحابة يعتقدون ان رسول الله محمد بن عبدالله؛ كاد أن يورثه!
وشاهد الذين يسكنهم حب الاستعلاء والاستقواء البشري!
وشاهد؛ كيف إن الإشاعة والتفاهة والسخافة والكذب كاسلوب ومنهج نظام بأجمعه؛ والذي؛ من إنتاج وتأليف شخص خبيث وجبان، وسيناريو وإخراج شخص حاقد، ونشر وتوزيع شخص آخر حقير وتصديق، مع الأسف؛ من إنسان ساذج!
ورأى عبر المشيمة أن الإنسانية تهوي في انهيار أخلاقي واجتماعي وقيمي سحيق؛ في عالم العبث واللايقين واللامعنى!
كما شاهد في شهره التاسع كيف إن العظماء لا يسقطون أبدًا؛ إلا بالغدر والمكر والدسائس والخيانة والمؤامرة التي يصنعها بعض الجبناء!

كما قرأ عما أسماه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي؛ بإستراتيجية الإلهاء للشعوب المقهورة، وإستراتيجية الدَّهْوَرَة أو القهقَرة لإبقاء الناس رهنَ الجهل وتحت التفاهة والرداءة!
وأكيد قد شاهد شرعية القوة وقوة الشرعية التي تحكم العلاقات الدولية!
(…) إلى غير ذلك مما شاهده كجنين كامل التكوين والوعي وليس ابن السبعة أشهر؛

فأستغربت! كيف إن الإنسان؛ ومن ضمنهم الإنسان العربي المسلم؛ قد شاهد كل هذا السيناريو من الرعب والظلم والقهر والدمار والخراب والحروب وصور القتل والإرهاب والإقصاء والتهميش والاستقواء والاستعلاء البشري الذي يسكننا…!
في ظل الزخم القليل من التنمية والرخاء والسعادة والأمن والسكينة والطمأنينة؛
ومع ذلك لم يشنق نفسه بالحبل السري!؟
——————
(*)- مقتطف من رواية للكاتب والمفكر المغربي الدكتور عبدالله شنفار

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...