حوار الأديان، مفهومه وأهدافه

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

أحمد براو

 

 

انطلاقا من أهمية حوار الأديان أو حوار أهل الديانات أو مجادلة أهل الكتاب، وبغض النظر عن المصطلحات المستعملة تحت قاعدة “لا مشاحة في الإصطلاح” إذا كان هدفها هو التعاون بينهم والإتفاق على ما يحقق مصلحة الإنسان، ويقضي على كل أسباب الصراع والتعصب، وتوفير فرص التعايش السلمي بين أهل الأرض.
فالإسلام ليس فقط أجاز هذا الحوار بل اعتبره ضرورة شرعية ومطلب قرآني، “تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ”. وبعيدا عن تحفظات البعض أو تخوفاتهم سواء من هذا الجانب أو ذاك فإن هذا الموضوع في أمسّ الحاجة للتجديد والتطوير لكي يحقق أهدافه أبرزها تعميم المعارف وإزاحة الغشاوات ونشر التعاليم الصحيحة لجميع الأديان.

وللتأكيد على القيم المشتركة خصوصا بين الأديان السماوية، وعلى رأسها الإيمان بالله، ودعم الأخلاق الفاضلة، وتكريم الإنسان، والإعتراف بحقوقه. كما يهدف من ناحية أخرى إلى التخفيف من حدة الخلاف والصراع بين أتباعها، ونبذ ثقافة الكراهية والتعصب التي تؤدي إلى التطرف، والذي بدوره يؤدي إلى إلحاق الأذى والعنف والإرهاب. وبالمقابل فالحوار البناء الهادف يوفر سبل التلاقي كما يوفر فرصاً جيدة لنشر الاحترام المتبادل بين أتباع الأديان، مما يحقق التعايش بينهم ويرسخ صورة من التسامح الديني وحسن العلاقة بين أبناء الديانات فتحل ثقافة المحبة والتآخي محل الكراهية والتعصب الديني.
لا يخفى على أحد وجود نسبة غير قليلة من المشككين ومن الأصوات النشاز التي تحاول إفساد روح الحوار عن طريق التعصب الديني موجودة لدى أتباع كل دين، فتدّعي مثلا أنه لا حوار مع من لا يعترف أصلا بديانتك، فالمسلمون ينطلقون من مواقف واضحة ومتقدمة ومحسومة في مسألة الإعتراف ولو بوجهات نظر مختلفة لا تفسد للودّ قضية، وبأن الحوار الناجح هو الذي يأتي على أرضية من التفاهم المشترك والإحترام المتبادل.

يبقى أن يقَعّد القائمون على هذه اللقاءات الحوارية بعض الأصول الأساسية تجنبا للخلاف السلبي الذي فقط هو مضيعة للأوقات والطاقات، فلذلك ينبغي إرساء بعض القواعد العامة وجداول وخطط أعمال محددة لاستخلاص الأهداف.
ومن أهمها عدم التطرق للخصوصيات والمرتكزات التي تحدد طبيعة كل دين، ببساطة لأنها ليست محل حوار ونقاش وتعتبر خطوطا حمراء يجب احترامها وتقديرها ولأنها روح وعقيدة لا يمكن تصور التفريط فيها فكيف بالمطالبة بالتخلي عنها، فهي ثوابت وأعمدة وأركان تحدد طبيعة هذا الدين أو ذاك.

كما ينبغي تنقية مناهج التعليم في من كل ما يؤدي إلى احتقار وازدراء الأديان والتقليل من شأنها، لأن هذه المناهج التربوية والتعليمية المتوارثة والتي تنبني على تعاليم متطرفة تهدم جهود العلماء ورجال الدين وترسّخ المفاهيم الخاطئة، كما يغذي فساد الدعاية والإعلام في تكوين واستفحال ظواهر سطحية وسلبيات في التعامل مع موضوع حساس كموضوع الأديان َوالمعتقدات، فلابد من وجود إعلام رزين وهادف للقيام بدوره الحضاري الهام لتوفير المناخ السليم للتآخي الديني وإيجاد فرص التلاقي والتفاهم بين رجال الدين وبالتالي بين جميع الشعوب.

وكما أشارت وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك الموقعة بين المسلمين والمسيحيين فلابد للعمل سويا من أجل تحقيق هدف الأديان الأول والأهم وهو الإيمان بالله وعبادتُه، وحثّ جميع البشر على الإيمان بأن هذا الكون يعتمد على إله يحكمه، هو الخالقُ الذي أوجدنا بحكمة إلهيّة من العدم وأجزل علينا النعم، وأَعطانا هبة الحياة لنحافظ عليها، هبةً لا يحق لأيّ إنسان أن يَنزعها أو يُهدّدها أو يتصرّف بها كما يشاء، بل على الجميع المحافظة عليها منذ بدايتها وحتى نهايتها الطبيعية؛ والرفض القاطع لكل الممارسات التي تهدّد الحياة، كالإبادة الجماعية، والعمليات الإرهابية، والتهجير القسري، والمتاجرة بالأعضاء البشرية، والإجهاض، والسياسات التي تشجع على ذلك، كما يجب الاتفاق على وقف كل صور الإساءة التي تؤْذي مشاعر المؤمنين ولابد أن يبذل رجال الدين، جهداً حقيقياً لعدم حصول ذلك.

فالديانات السماوية مثلا هي من مشكاة واحد تقوم على التوحيد، وتحض على الأخلاق الفاضلة وتنهى عن ارتكاب الكبائر، وتتماثل في أسس العبادة، فهي كلها تأمر بالصوم والصلاة والزكاة وإن اختلفت في مواعيد أدائها ومقدارها وكيفية هذا الأداء. كما أنها تقترب من بعضها في شؤون العقيدة كالإيمان بالله الواحد وملائكته وكتبه ورسله ويوم البعث.
الهدف من الحوار بين الأديان هو أن يصبح رمزا للعناق والمحبة بين جميع البشر بين الشمال والجنوب والشرق والغرب في هذا الكوكب الأرضي وبين كل المؤمنين بأن الله خلقنا للتعارف والتعايش كإخوة متحابين.
هذا ما تأمله هذه الحوارات واللقاءات وتسعى إلى تحقيقه؛ بُغية الوصول إلى سلام عالمي ينعم به الجميع في هذه الحياة.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...