إدمان العصر

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ريم عيسى

 

منذ اختراع الكهرباء و تطور الاتصالات و الأجهزة التكنلوجية والعالم يشهد قفزات نوعية سلباً تارة وإيجاباً تارة أخرى … أما الحديث عن الإيجابي فله مقام آخر وأما الجانب السلبي وهو الذي يهمنا أن نلقي عليه الضوء وكأنه جرح عميق، فقد رافق هذا التطور الكبير تطور مفاهيم اجتماعية ومهنية مختلفة وظهور بعض المصطلحات الجديدة على الساحة و بالأحرى مهن جديدة لم نسمع عنها قبل كالإنفلونسروالفاشونيستا واليوتيوبروغيرها.

وتدور أغلب هذه المهن حول نقطة واحدة وهي صناعة محتوى و فيديوهات و حالات تظهر حياتهم اليومية و علاقاتهم العاطفية والعائلية أو تقوم على بعض المقالب و التحديات ، إضافة إلى أن القاسم المشترك الأكبر لهذه المهن أنها لاتحتاج إلى شهادة أو رخصة لمزاولتها ولايمكن حصرها بسن معينة فهي متاحة من الطفل إلى كبيرالسن طالما أنك تملك كاميرا حتى لو كانت كاميرا جوال و لديك حساب على إحدى منصات التواصل الاجتماعي فأنت جاهز للبدء .

حقيقتها
من خلال جولة سريعة في محتوى القنوات و الصفحات تلحظ كمية البذخ المادي و الانحلال الأخلاقي والخداع فيها حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة للتمثيل في كل شيء حيث تستعرض الفتاة جمالها الزائف و مقتنياتها الباهظة الثمن وسفراتها الفاخرة و علاقتها العاطفية المثالية وتلك تستعرض بيتها الفاخر و أولادها الأذكياء وزوجها المحب و هداياه ، وقد تكون المسلسلات التلفزيونية التي باتت نقطة الانطلاق الأولى للفساد بعد تردي نوعية المحتوى و الصورة المبتذلة والمشوهة للمجتمع بسبب اهتمام كل من الكاتب والمخرج بالهدف المادي على على حساب صلاح المجتمع ، فخرج النص ضعيفا يفتقر إلى الحبكة الجيدة و السلاسة و خرجت الصورة مليئة بنماذج مخجلة من اللباس المكشوف و الألفاظ الجريئة والايحاءات المغرية وتكالب الفنانات على تغيير أشكالهن ( هذا إذا ماتجاهلنا في هذا الموضع تأثير ذلك على جودة الأداء بسبب عدم قدرتهن على إظهار التعابير الحقيقية التي يتطلبها المشهد ) ووضع المكياج في مشاهد منطقيا لاتحتاج إليه ، و ارتداء أفخم الماركات و استعراض الفلل والسيارات
والعنصر الأساسي المحرك لكل هذا الانحراف هو الكذب ( الكذب على النفس و الاخرين ) … هل العقل البشري حقا مدمن على الكذب إلى هذا الحد رغم معرفته أنه كذب ؟!

خطرها :
ان مرحلة المراهقة مرحلة حساسة يتأثر فيها الطفل بالمظاهر أكثرلأن قدرته على التحليل الصحيح لما يشاهده ويسمعه مازالت تفتقر إلى الخبرة ..فبدل أن تكون قدوة المراهق أحد العلماء أو المفكرين أو شخص ذو قيمة أخلاقية عالية ؛ تراه ينجذب للمظاهر والأشياء البراقة و الأحلام الوهمية التي لايمكن تحقيقها حيث يمكنك ملاحظة انصهار الشباب في محاولة محاكاة جسد فلان و حياة الآخر الفارهة و تسعى الفتاة بكل مالديها من مال وطاقة ان تمتلك افخم الماركات وترتاد أشهر المطاعم وتبحث عن رجل الأحلام الثري بدون التفكير لو للحظة ماهو الثمن الذي دفعته هذه الإنفلونسر للحصول على تلك الملابس والمجوهرات و لا كمية العمليات التي قامت بها للوصول إلى هذا الجمال
لكن الأخطر من ذلك ذهاب بعض الشباب والفتيات إلى أماكن خطرة و الاستعداد للقيام بأي شي بدون أي حدود والتنازل عن كل شيء سعيا وراء الشهرة و الحصول على المال

مواقع التواصل الاجتماعي والأسرة :
إن تأثير هذا الخداع لم يقف عند حد المراهقين بل تعدى ذلك إلى كل إنسان ضعيف النفس والعقل ، حيث تجد سيدة متزوجة سئمت من حياتها الزوجية وزوجها وأبنائها بسبب التأثر بحياة سيدة أخرى على هذه المنصات وقد يصل الأمر فيها حد الاكتئاب وفي حالات إلى طلب الطلاق بسبب المقارنات المتعبة مع غيرها لأن مواضيع المحتويات تدور حول الزوج الرومنسي المحب الذي يغرق زوجته بالهدايا و الزوجة السعيدة المثالية التي تهتم بكل تفاصيل بيتها و أولادها الاذكياء المتعلمين في أهم المدارس والجامعات ، والرحلات العائلية السعيدة وغيرها بدون أدنى تفكير في كمية التمثيل التي تقوم به هذه السيدة مع عائلتها لتظهر للناس بمظهر مثالي

عند محاولة تفسير وتحليل الواقع السيء الذي وصلنا إليه نجد أن أكبر سبب لذلك هو عدم وجدود أي قوانين أسرية أو قانونية أو حتى أخلاقية تضبط صناعة المحتوى وخاصة أن صناع المحتوى الجيد والمفيد غالبا ما يبذلون جهدا مضاعفا لتقديم المفيد وفي المقابل لايتلقون المتابعة التي يرجونها بسبب انحياز الذوق العام وانجذابه للمحتويات الترفيهية و العالم الوهمي الذي يتمنون أن يعيشوا فيه وليس الواقع الموجود ، وهذا نفسيا يمكن تفسيره بميول العقل لكل شيء يحاكي أحلامه و أمنياته فيكون تأثير هذا المحتوى عليه تأثير المخدر حيث يشغل العقل بالأحلام دون التحفيز على تحقيقها وقد يشعر البعض بالاكتئاب إضافة إلى فقدان الخصوصية الشخصية و خصوصية البيوت وهذا كله في سبيل المال والشهرة و مبالغة صناع المحتوى
وهنا يكمن السؤال المهم …. إلى أين نحن ذاهبون ؟ وكيف نصلح ما أفسده العصر ؟

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...