ديبلوماسية تركيا وأزمة أوكرانيا.. الحياد والمصلحة الوطنية

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

خيري عمر

 

 

مع اندلاع الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022، انخرطت السياسة التركية في محاولات لوقف الحرب بالوساطة بين الطرفين، غير أن انتشار الصراع على نطاق دولي كشف عن تزايد قيود وقف الحرب. وتبدو أهمية الاقتراب من دوافع الدور التركي في الكشف عن العوامل المُساندة للوساطة وتلك الكابحة لها، ومدى تأثير النطاق الإقليمي والدولي في القدرة على الحياد والفاعلية الديبلوماسية.

نظرة تركيا إلى الحرب
وفق البيانات الرسمية، وصفت تركيا الحرب بالعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، ما يمكن اعتباره موقفاً محايداً لوصف الهجوم الروسي. ويعده الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خطاب أنطاليا، في 11 مارس/ آذار 2022، نتيجة فجوات النظام الدولي وعلاقتها المباشرة باندلاع الحرب. وتُمثل هذه النظرة أساس التناول التركي للأزمة الأوكرانية، حيث تمزج ما بين العوامل المباشرة لاندلاع الحرب وتدهور كفاءة النظام الدولي في احتواء المشكلات الدولية، فقد ركز على هشاشة النظام الأوروبي تجاه أزمة ضم شبه جزيرة القِرم في 2014، عندما اعتبرها نقطة البداية في الحرب الدائرة، وأدّت إلى الإخلال بالتوازن في البحر الأسود.

وثَمّة تركيز واضح على أن المشكلة ترتبط بتحيز النظام الدولي وعجز الهيكل الأمني عن تلبية احتياجات الدول، وخصوصاً مع تراكم أخطاء ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يؤدّي اختلال التوازن إلى حالة إفلاس تراكمت بسبب احتكار خمس دول القرار السياسي وإهمال مصالح 193 دولة. وفقاً لتركيا، يرتبط نظام الأمن الدولي بتعديل هيكل الفاعلين في الأمم المتحدة وإجراء التغييرات اللازمة لإدماج أكبر عدد من الدول في الرقابة على السياسات الأمنية على قاعدة المصالح المشتركة، حيث لا تقوى العضوية المؤقتة في مجلس الأمن، 10 أعضاء، على معالجة العيوب الهيكلية في النظام الدولي. وهذا ما يُفسر اقتراح تركيا شعار “العالم أكبر من 5” للدلالة على الرغبة في توسيع مجلس الأمن، وتطوير آلية التعبير عن المصالح الدولية.

رأت تركيا أنه لا يمكن تبرير العدوان على دولةٍ ذات سيادة، واعتبرته خطوةً غير شرعيةٍ تتجاهل وحدة أراضي أوكرانيا

وبشكل عام، راعت المواقف التركية القانون الدولي والحقوق الخاصة للمواطنين، فمن جهةٍ رأت أنه لا يمكن تبرير العدوان الروسي، ورأت دعم حق الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم. ومن جهة أخرى، ذهبت إلى دعم حماية المواطنين الروس وملكياتهم في البلدان الغربية. وفي هذا السياق، رأت تركيا أنه لا يمكن تبرير العدوان على دولةٍ ذات سيادة، دولة مجاورة، واعتبرته خطوة غير شرعية تتجاهل وحدة أراضي أوكرانيا. وثمة إشارة خاصة إلى ضم غير قانوني لشبه جزيرة القرم، واعتبر سكوت الأوروبيين عليها جريمة، في وقت رأت فيه تركيا المسألة على جدول الأعمال في كل مشاركاتها الدولية، سواء مع الاتحاد الروسي أو مع أوكرانيا.

بناء التفاوض
ومنذ بداية الأزمة، بدت تركيا على وعيٍ بأهمية احتواء الصراع ومنع اندلاع الحرب. ولذلك، كان خيار الوساطة المُفضل لها وانفتاح الاتصالات مع أطراف الصراع المباشرة والثانوية. وفي هذا السياق، تبنّت ديبلوماسية حذرة لتجنّب الانحياز المُبكر، وبحيث لا تكون طرفاً في أزمةٍ ما زالت تداعياتها تتشكّل، ودخلت في موازنات دقيقة تراعي كثافة المصالح مع الطرفين وعضويتها في حلف شمال الأطلسي والتزامات الأمن الجماعي. وقد انصبّ اهتمام تركيا على ترقية الوساطة بعقد لقاء بين رئيسي الدولتين؛ فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، باعتبارها الطريق القريب لوقف الحرب وإحلال السلام.
وقد اتجهت السياسة التركية إلى عقد لقاء قمة بين الرئيسين، 3 فبراير/ شباط. وحسب تصريحات المُتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أسّست تركيا موقفها على أن للرئيس بوتين الكلمة الأخيرة لوضع حد للقتال الجاري في أوكرانيا. ويمكن قراءة الموقف التركي من جانبين؛ يرتبط الأول بتعريف العدوان في القانون الدولي وبالتالي تقع مسؤولية وقف الحرب على روسيا، والثاني، أنها تسعى إلى بناء الثقة مع الرئيس بوتين واعتباره مركز الحل السلمي، حيث تعمل وفق أولوية ترسية توازن علاقات تركيا في البحر الأسود.

وبشكل عام، يقوم تصوّر تركيا للوساطة على مدى قدرة الطرفين على وقف إطلاق النار ومعالجة آثار الحرب، وخصوصاً ما يرتبط بدعم اللاجئين. وبدأت هذه المرحلة بالاتصال مع الطرفين خطوة أولية للوساطة. في المرحلة الأولى، انعقد لقاء وزيري الخارجية، الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا، في 10 مارس/ آذار، وقد اقتصرت نتائج الاجتماع على استمرار المحادثات وفتح الطريق لاجتماعات لاحقة.

وبعد اتصالات تركية مع الطرفين، انعقد لقاء وفدي روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، 27 مارس/ آذار، بناءً على مبادرة من الرئيس أردوغان بعد اتصال مع الرئيس بوتين، بهدف التوصل لوقف إطلاق النار، وقد اعتبرت تركيا أن موافقة الطرفين على الوساطة نقطة يمكن البناء عليها، حيث عكس الاجتماع في إسطنبول على مستوى وفدي روسيا وأوكرانيا تغيرا جزئياً في موقف الطرفين من إدارة الحرب، فمن جهة يُعبر انتقال المحادثات من نطاق بيلاروسيا إلى تركيا عن إمكانية التواصل مع طرف ثالث يتصف بالحياد والرغبة في وقف الحرب، كما أن الاجتماع، من جهة أخرى، يظل في إطار المحادثات التمهيدية للتعرف على نيات الطرفين.

يمكن ملاحظة كثافة زيارات الأوروبيين أنقرة، واستعدادهم للتجاوب في التعاون في نطاق الصناعات العسكرية، وفتح ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

وقد دارت المفاوضات حول شروط متبادلة من الدولتين، روسيا وأوكرانيا. فقبل لقاء وزيري الخارجية في تركيا، أعلنت الرئاسة الروسية شروطها لوقف الحرب، في مقدمتها تغيير الحدود الأوكرانية، حيث الاعتراف بتبعية القِرم جزءاً من روسيا، وأيضاً القبول باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. ولم تضع نزع السلاح شرطاً مسبقاً، وتُرك للجيش الروسي ليدمّر كل السلاح الأوكراني. وأضافت الشروط الروسية إجراء تعديل دستوري، يضمن عدم الانضمام إلى أي تكتل سياسي أو عسكري. وقد ربطت روسيا انعقاد اجتماع قمة يكون تالياً، (متحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في 12 مارس/ آذار)، لتقدّم المحادثات بين الوزراء والوفود ووضوح اتجاه إلى المساومة على الشروط الروسية. ومن جانب أوكرانيا، تركّزت المطالب في ثلاثة: وقف إطلاق النار، انسحاب القوات الروسية، ضمانات أمنية ملزمة لسلامة إقليم أوكرانيا.
وحسب التقييم التركي، كما عبر المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، تُصنف المطالب الروسية إلى مجموعتين: الأولى، ويمكن تحقيقها، وتتعلق بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي، قبول نزع سلاحها، حماية اللغة الروسية واجتثاث النازية. أما ما يرتبط بالسيادة وتغيير الحدود ونزع الأقاليم فتبدو صعبة، لارتباطها بالسلامة الإقليمية لأوكرانيا. وعلى الرغم من محدودية النتائج الحالية، تتّجه الديبلوماسية التركية إلى بقاء قنوات الاتصال مفتوحة عبر زيارات لأوكرانيا، 1 مايو/ أيار 2022، واتصالات مع روسيا لتخفيف حدّة الأزمة.

محاولات لتوسيع نطاق الديبلوماسية
زادت وتيرة لقاءات تركيا ومسؤولي الدول الأوروبية. وفي الأسبوع الثاني للحرب، زار تركيا 15 مسؤولاً أوروبياً وأميركياً والمنظمات الدولية. وفي لقاء بين الرئيسين، التركي والبولندي، بدا الحديث عن الشؤون الأمنية والدفاعية واضحاً، وخصوصاً في الصفقات بجانب الصفقات العسكرية من المُسيّرات التركية. وإلى جانب مناقشة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، شملت المحادثات الوضع في منطقة البلقان مع الرئيس الألباني، إيدي راما، وعضوي المجلس الرئاسي في البوسنة والهرسك شفيق جافيروفيتش وميلوراد دوديك. كما تناولت الزيارات بحث العلاقات الثنائية في لقاء رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، فيما يتعلّق بترسيم الحدود وخفض التصعيد في بحر إيجه وتعزيز العلاقات التجارية واستمرار المحادثات العسكرية.

وبمراجعة اللقاءات، يمكن ملاحظة كثافة زيارات الأوروبيين أنقرة، واستعدادهم للتجاوب في التعاون في نطاق الصناعات العسكرية، وفتح ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وترقية العلاقات إلى مستوى التحالف الواقعي، انطلاقاً من ميثاق حلف الأطلسي في الدفاع المُشترك، بالإضافة إلى تشجيع التواصل التركي مع اليونان وإسرائيل والتسهيلات الجمركية والتعاون في مكافحة الهجرة غير المشروعة، زيارة مستشار ألمانيا. وعلى مستوى السياسات الدفاعية، التقى وزير الدفاع التركي مع وزيري بريطانيا وإيطاليا في إسطنبول، 9 أبريل/ نيسان، لمناقشة التعاون في مجالَي الصناعات الدفاعية والتدريب العسكري والتطورات في أزمة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية ووقف إطلاق النار.

يساهم تطوير العلاقات التركية مع البلدان العربية في تقوية مظلة أمان للسياسة الخارجية، وتقليل أثر تداعيات الحرب

وفي قمة الأطلسي في 25 مارس/ آذار الماضي، دعا الرئيس أردوغان إلى رفع حظر توريد السلاح والمنتجات الدفاعية، باعتبارها مصلحة جماعية تتطلب إزالة العقوبات “غير المبرّرة” عن الصناعات الدفاعية التركية. وقال إن الحظر السري أو العلني غير لائق بين الحلفاء، وينبغي أن يكون التعاون بينهم تلقائياً. وتعكس مُجريات قمة الأطلسي وجود إدراك بأن الأزمة الأوكرانية تتطلب إظهار الوحدة والحفاظ على الهدوء في شرق البحر المتوسط، ودعم دور أنقرة في الحفاظ على توازن القوى في البحر الأسود.

التحوّط ضد تداعيات الحرب
وتُمثل رغبة تركيا البقاء على الحياد جاذبية لأوروبا والولايات المتحدة، حيث ظلت نقطة اتصال مفتوحة لاكتشاف الحل المُمكن، وهذا ما يُفسّر بقاءها ملتقى الاتصالات الديبلوماسية من أطراف مختلفة. وبدت ميزة الموقع الجغرافي في سعي أوروبا إلى الانفتاح على تركيا وظهور اتجاهات لمناقشة المسائل العالقة في العلاقات المشتركة، بالإضافة إلى ترقية التعاون في سياسات الهجرة، الأمن والطاقة وإمداداتها من بحر قزوين. وفي سياق النشاط الديبلوماسي، استأنفت اللجنة البرلمانية الأوروبية التركية اجتماعها، بعد انقطاع ثلاث سنوات. وقد ساعد هذا التوجه على تعدّدية التواصل مع روسيا ومنع احتكار فرنسا له. وباعتبارها ضمن دول حوض البحر الأسود وقربها من روسيا، فإن انفتاح تركيا على طرفي الصراع ساعد على تأمينها ضد انزلاق الأزمة وانفلاتها بصورة يصعب السيطرة على تداعياتها.

في هذا السياق، بدت سياسة تركيا أكثر تشابكاً مع دول الشمال، حيث تُمثل مركز الأزمة، كما يساهم تطوير العلاقات التركية مع البلدان العربية في تقوية مظلة أمان للسياسة الخارجية، وتقليل أثر تداعيات الحرب، سيما في نطاق الطاقة. ويمكن النظر إلى تحسين العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والسعودية، واستمرار البحث عن فتح آفاق للعلاقة مع مصر، توجّهاً إلى رسم خريطة متوازنة للمصالح التركية على المستويين، الإقليمي والدولي.

القيود على الوساطة
وبغض النظر عن تباين مواقف الطرفين، روسيا وأوكرانيا، تجاه مسألة السلامة الإقليمية، تفرض البيئة الخارجية قيوداً على سير التفاوض وتوقفه. ويرجع التعثّر في وقف إطلاق النار لارتباطه بنطاق أوسع من الصراع لا يقتصر على أوكرانيا، بل يتضمّن الحاجات الأمنية لدى الغرب وروسيا، وهي حِزَم مترابطة يصعب تناولها منفردة، مثل الاعتراف بالقرم وحسم الجدل حول توسيع الأطلسي. وثمّة عامل آخر يرتبط بالقلق الروسي من التدخل الغربي بإثارة الصراع فيما بين القومية السلافية وانهيار خط الدفاع الأمامي ضد تدخل القوميات الأوروبية. وكثيراً ما أشار الخطاب الرسمي الروسي إلى أحداث يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، باعتبارها ضمن التفكيك الغربي للسلاف مركزا ديمغرافيا للاتحاد الروسي.

تتجه روسيا إلى قطع الغاز عن أوروبا مع استمرار إطلاق النار وإعادة انتشار قواتها في أوكرانيا، مع غموض أهدافها من الحرب أو تشتتها

واجهت تركيا حالة من عدم التماثل في أثناء الوساطة، فبينما يرحّب الغرب بالوساطة، متزامناً مع تواتر الحديث عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة وتطوير العقوبات بصورة أسرع من الحديث عن السلام ووقف الحرب. وفي موازاة الوساطة التركية، انعقدت جلسات في إطار مجلس الناتو وروسيا في مقر الحلف في بروكسل، وليس داخل المجلس الأوروبي، 16 فبراير/ شباط 2022، وهو ما يعني انضواء أوروبا تحت مظلة الحلف وعدم توافقها على تكوين مظلة خاصة بها؛ سياسية أو عسكرية، غير أنه لم تتوفر كوابح ضد اندلاع الحرب، ما يمكن فهم الوساطة التركية محاولةً لتخفيف آثار الأزمة، وليس الوقف الفوري لإطلاق النار.

وبينما تجري المفاوضات بوساطة تركيا، تعمل أطراف أخرى على تكوين مساراتٍ لاستمرار الحرب، فمن خلال مجموعة العشرين، ثار جدل بشأن استبعاد روسيا لأجل تعزيز العقوبات والحصارين، السياسي والاقتصادي، بجانب دعم أوكرانيا بالسلاح تخطيطاً لحرب طويلة لإزاحة روسيا نحو الشرق. وعلى الوجه المقابل، تتجه روسيا إلى قطع الغاز عن أوروبا مع استمرار إطلاق النار وإعادة انتشار قواتها في أوكرانيا، مع غموض أهدافها من الحرب أو تشتتها.

ومع اقتراب العقوبات ضد روسيا من سياسة العقاب الجماعي، واجهت الوساطة التركية زيادة التحوّطات للدفاع الذاتي على حساب الرغبة في استمرار التفاوض، وكان تعليق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن الوضع ليس مهيئاً للوساطة، مؤشّراً إلى التأثير المتبادل لعوامل تعزيز استمرار الحرب. وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى السلوك الجماعي لمجموعة السبع الصناعية عبئاً على الحل السلمي، فالتضامن في اجتماعات الأمم المتحدة والدعوة المشتركة إلى فرض عقوبات على روسيا، ساهم في تزايد الاستقطاب الدولي بعيداً عن المفاوضات محدودة المستوى بين روسيا وأوكرانيا.

مونترو والأمن الذاتي
وفي سياق تراجع فرصة التسوية، صارت تركيا أكثر انزعاجاً من اندلاع الحرب بسبب مرور السفن الحربية، اتفاقية مونترو 1936، ما يُلقي عليها أعباء أمنية وعسكرية. وفي بداية الحرب، ثار جدل بشأن تفعيل سلطة تركيا في الرقابة على تسيير السفن أو منعها. وقد ارتبط النقاش بمدى تحقق حالة الحرب نتيجة الهجوم الروسي. وفي 27 فبراير/ شباط، صرح وزير الخارجية، جاويش أوغلو، بتحول الاشتباكات إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا، وأن الوضع يتطلب تفعيل الاتفاقية ومنع عبور السفن الحربية سوى تلك العائدة للموانئ الدائمة، وتفعيل المادة 19 من الاتفاقية. وفي 27 أبريل/ نيسان، أعلن وزير الدفاع، خلوصي أكار، عن تطبيق الاتفاقية بكل شفافية على كل الدول، وتقوية الرقابة الأمنية والعسكرية على السفن العابرة. ويشكّل استخدام تركيا السلطات الممنوحة لها خطوة لاحتواء انتقال التطورات المحتملة للحرب إلى توتر في البحر الأسود.

يرتبط التقدّم في وقف الحرب بوجود مظلة سياسية لرعاية التفاوض وتوفير الضمانات اللازمة لوقف إطلاق النار

وقد لقي القرار التركي تأييد البلدان الغربية باعتباره تقييداً للعسكرية الروسية وتقارباً مع الحكومة التركية، وهي ظروفٌ تتماثل مع تعديل اتفاقية لوزان، 1923، لزيادة صلاحيات تركيا في الرقابة على الملاحة العسكرية في المضايق، بحيث جرى وضع قواعد لمرور السفن الحربية وتقييد حمولتها. ومع صعوبة توقع نهاية للحرب، تبدو أهمية النقاش في فرصة مُراجعة الاتفاقية وتطويرها، وخصوصاً في ظل تطور مدى السلاح والقوة الانفجارية للمفرقعات، يمكن أن تسعى تركيا إلى مراجعة الاتفاقية فيما يتعلق بعدد السفن المارّة في وقت واحد ونوعية الذخائر المحمولة ومدى الالتزام بالمرور البريء.

على أية حال، وضعت هذه السياقات قيوداً على الدور التركي، بزيادة تعقيد الأزمة وغياب مظلة دولية لتوفير ضماناتٍ لمخرجات التفاوض، فهناك تسابق بين عوامل التسوية السلمية ومحفّزات الصراع، ما يشكّل معضلة أمام تطوير المفاوضات، وخصوصاً مع تعدّد أطراف الصراع الفعليين أو الثانويين في مقابل نقص الوسطاء، ومن ثم، يرتبط التقدّم في وقف الحرب بوجود مظلة سياسية لرعاية التفاوض وتوفير الضمانات اللازمة لوقف إطلاق النار.

وعلى وجه أخير، على الرغم من الترحيب بالوساطة التركية، تقف قراءة الغرب عند الطبيعة التنافسية للدور التركي، فالحديث عن تغيير الصيغة القائمة للنظام الدولي يتضمن مساراً للتموضع في العلاقات الدولية وإعادة هيكلة النظام الأمني، وهي قراءة لا تقتصر على معالجة الأزمة ما بين روسيا وأوكرانيا، بقدر عدم رغبة الدول الكبرى في تقاسم سلطة القرار، أو توسيع المشاركة فيه. وهنا، يمكن تقييم السياسة التركية من جانبين؛ الحفاظ على الحد الملائم من الحياد والمصالح مع الطرفين، وتوسيع شبكة علاقاتها مع البلدان المختلفة.

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...