دلالة قوله تعالى : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ. بين التفسير بالمأثور وبيان القرآن بالقرآن.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

الدكتور محمد الفقيه

 

 

 

من أفضل مناهج تفسير آيات كتاب الله هو ما كان من قبيل بيان القرآن بالقرآن وسأذكر مثالا واحدا يوضح ذلك :

قال تعالى : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .٦٧/الأنفال.
وقال تعالى : فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا . ٤/ محمد.

الذي يتتبع أقوال المفسرين ابتداء من الطبري والقرطبي وابن كثير والبغوي وغيرهم من المفسرين الذين اعتمدوا على التفسير بالمأثور سيصاب بالذهول من كثرة التناقضات التي احتوته هذه التفاسير ومن كثرة اتكائهم على القول بالناسخ والمنسوخ ولولا خشية الإطالة لوضعت بعض الاقتباسات من تفاسيرهم للآيتين الكريمتين المذكورتين، وخلاصة ما ذهبوا إليه في قوله تعالى : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
قالوا أن الله عاتب نبيه على قبول الفدية في أسرى بدر وكان ينبغي أن يقتلهم ولا يقبل فداءهم ، حيث نزل الوحي مؤيدا لرأي عمر بن الخطاب ومعارضا لرأي الرسول صلى الله عليه وسلم ورأي أبو بكر الصديق…. ونسبوا للنبي صلى الله عليه وسلم زورا وبهتانا أنه قال لو نزل عذاب على أهل الأرض ما نجى منه إلا عمر .

علما بأن الآية الكريمة ليس فيها ما يدل على وجوب قتل الأسرى أو حتى جواز قتلهم ، وإنما ما تضمنته الآية الكريمة هو عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة الكرام لحرصهم ابتداءا أن يكون لهم أسرى ، وكان الأولى الاثخان في الأرض وقتل رؤوس الكفر في المعركة وليس الحرص على أسرهم من أجل الحصول على فداء الأسرى وهذا ما تضمنته الآية الكريمة ولذلك كان التعقيب في الآية الكريمة….تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، والذي يبين ويوضح تفسير الآية الكريمة بصورة جلية الآية التالية : قال تعالى : فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.

فهذه الآية تكشف وبشكل جلي أنه يجب على المسلمين إذا ما بدأت المعركة أن يجد المجرمون والمعتدون الشدة والقوة من المسلمين حتى يلقوا الرعب في قلوبهم، ولكن بعد هذا الاثخان والقتل في المعركة الذي يؤدي إلى هزيمة الأعداء شر هزيمة فإذا ما وقع بعد ذلك أسرى بيد المسلمين فهؤلاء الأسرى لهم حقوق يجب الحفاظ عليها والوفاء بها وهي المن أي إطلاق سراحهم دون مقابل أو الفداء ولا يجوز قتلهم بأي حال من الأحوال، بل على العكس من ذلك فقد بين القرآن الكريم أن من أعظم سبل التقرب الى الله هو الإحسان للأسرى فقال تعالى : وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.

ومن هنا يتبين عظمة تفسير القرآن بالقرآن الذي يزيل أي توهم تناقض بين آيات القرآن الكريم، حيث يظهر من خلاله البناء المتماسك والمتكامل بين آيات القرآن الكريم وسوره ، وفي المقابل الإعتماد على تفسير القرآن بالمأثور ومن خلال الروايات يدخلنا في نفق مظلم من الصعب الخروج منه ، لذلك كان يلجأ المفسرون القدامى إلى القول بالنسخ فكلما واجهتهم شبهة تعارض بين الآيات القرآنية او حتى شبة تعارض بين آية قرآنية ورواية لجأوا إلى القول بالنسخ كأسهل خيار ، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم .

وصدق الله العظيم الذي قال في محكم التنزيل : وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...