نداء السماء (اقْرَأْ) وتحرير الفكر من براثن التخلف والخرافات

إيطاليا تلغراف

 

 

 

* الدكتور عبد الله شنفار

 

 

أوّل نداء أشرقت به الأرض بنور ربها من كلام الله عز وجل؛ وأوّل رمز للتواصل بين الملأ الأعلى وسكان الأرض؛ نداء (اقْرَأْ) هو أول خطاب تواصل؛ وأول أمر من السماء إلى الأرض.
جاء في قوله تبارك وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.}
لكن بقينا أعجز عن تنزيلها وتصريفها على أرض الواقع الإجرائي..! فالبعض يعتقد أنه بمجرد وجود الكلمة في القرآن؛ يكفي للقول أننا أمة قراءة..!
يقال: “نَحْنُ أُمَّة اقْرَأْ.” لكن مع الأسف! نَحْنُ أُمَّةٌ لا تقْرَأْ.. وهو مجرد شِعار للتَّبجُّح والتَّمَدُّح على لسان حال “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.”
فقد اتهمونا بالقراءة؛ ونحن منها أبرياء! ومع الأيام تكتشف حجم ومساحة التصحر الفكري الذي يجتاح العقول؛ والتي تفوق حجم المساحة التي تحتلها اليابسة من الكرة الأرضية..!

في تحرير الفكر من براثن الخرافات؛ يفترض طرح السؤال حول مفهوم بعض القِيّم المجتمعية:

1. هل هي من الضروريات الأساسية التي بدونها ينهار ويهلك ويفسد المجتمع إذا لم يأخذ بها؟
2. هل هي من الحاجيات الضرورية التي يبحث عنها البشر؛ حيث يتعب من أجل الوصول إليها من أجل تحقيقها؛ ولكن بدونها لن ينهار المجتمع؛ وحياة الناس ستستمر وستسير؟
3. أمْ هي مجرد كماليات؛ تدخل في خانة التحسينيات؛ فِعلها من عدم فِعلها؛ تحققت أو لم تتحقق؛ فهي خير؟

الكثير من القِيَّم ظلت إما مشروعًا جنينيًا؛ لم تنمُ ولم نكبر وتتطور. أو تضخمت أكثر من حجم دجاجة إلى حجم ديك رومي؛ حتى وصلت إلى حجم النعامة؛ ولم تعد تفتح أية آفاق للتطور.
أعتقد هناك من يختزل صيرورة القيم في أفكار متجاوزة جدًا؛ ونقاشات وجدالات عقيمة؛ لا تسمن ولا تغني من جوع؛ ولا تساهم لا في تنمية؛ ولا في وبناء حضارة في شيء.
فعند مجتمعات وشعوب وأمم؛ آمنت بالعلم والمعرفة؛ حولت العائد منه إلى خبرة وتجربة وخلق هالة حضارية.
لكن عند المجتمعات الخائفة؛ التي في حالة غيبوبة؛ ولا تؤمن بالبحث العلمي؛ والمصابة بالشلل وبشتى صور الابتلاءات؛ والغير منفتحة على السؤال؛ بقي النداء عندها يعني: إحفظ واسترجع وكرِّرْ؛ وإيَّاكَ والبحث عن الجديد!
فسلطة القديم عندها تطال سقف العلم والمعرفة.

“فالجهل في حد ذاته ليس مشكلة؛ لأن الجاهل يطلب العلم. أمَّا الجهل المركب؛ فصاحبة لا يعلم بجهله؛ بل يظن أنه أعقل الخَلْق وأعلمهم. فإذا اجتمع الجهل المركب، وسوء الخلق حل الخراب.
أحيانًا ندخل في جدال مع شخص يحمل فكرة مغلوطة أو خاطئة تمامًا حول موضوع ما. لكن بعد لحظات تلاحظ أن علامات التوتر بدأت ترتفع لديه؛ لأنه مسكون بقناعات يقينية مطلقة؛ فتقرر عندئذٍ تغيير الموضوع وتأجيل أو توقيف الحوار معه.
مع الجهل المركب تأتي قضية (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) فتختفي فرص الحوار والتفاهم.” فضيلة الدكتور جاسم سلطان.
سؤال؛ هل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان يعرف كل الْأَسْمَاء والمعاني والمفاهيم قبل نزول الوحي!؟ ماذا يقصد بالأُمِّيَّة المعيارية؟ ماذا يقصد بالأُمِّيَّة الوظيفية في تدبير شؤون البلاد والعباد؟ هل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كان أمِّيًّا بالمعنى المعياري؛ أم بالمعنى الوظيفي؟
أوّل ما أشرقت به الأرض بنور ربها من كلام الله عز وجل؛
وأوّل رمز للتواصل بين الملأ الأعلى والأرض؛ هو قوله تبارك وتعالى:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ.}
الجواب من القرآن الكريم؛ الذي يتضمن 11 سؤالًا ابستيمولوجياً؛ وهو: “وَمَا أَدْرَاكَ؟” بمعنى البحث عن استجلاء الحقيقة؛ وهي دراسة لطبيعة المعرفة، من خلال الشّرح والتبرير، وعقلانيّة الاعتقاد أو الإيمان.
جاء لفظ (أُمِّي) في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

1. أوّلها في العرب؛ قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ.)
2. وثانيها في اليهود الذين لم يعلموا بالتوراة؛ قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ.)
3. وثالثها في حق رسول الله؛ صلّى الله عليه وسلّم؛ الذي بُعِث أمّياً لا يعرف؛ لا القراءة؛ ولا الكتابة؛ حيث قال تبارك وتعالى: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ.) وهي إحدى صفاته الخاصة التي انفرد بها عمّن سواه من الأنبياء والرسل.

– الآيات التي ورد فيها سؤال: “وَمَا أَدْرَاكَ؟”
1. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ؟ ﴿الحاقة﴾
2. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ؟ ﴿المدثر﴾
3. وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ؟ ﴿المرسلات﴾
4. ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ؟ ﴿الإنفطار﴾
5. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ؟﴿المطففين﴾
6. وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ؟ ﴿المطففين﴾
7. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ؟ ﴿الطارق﴾
8. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ؟ ﴿البلد﴾
9. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ ﴿القدر﴾
10. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ؟ ﴿القارعة﴾
11. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ؟ ﴿الهمزة﴾

وبالتالي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لم يكن يعرف معاني هذه الْأَسْمَاء؛ كما هو الشأن بالنسبة لآدم عليه السلام؛ لمَّا استشكلت الملائكة على خلافته في الأرض؛ حيث أن الله عز وجل؛ رد على تساؤلهم بشيء آخر غير متوقع؛ وهو في قوله تبارك وتعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ.)

في حواراتنا مع الناس؛ علينا ألا ندعي امتلاك الطبعة الأصلية للحقيقة؛ وعلينا أن لا نجادل جدالاً عقيماً زُرع في تربة الجهل؛ وسقي بماء الظنون. لنكن حكماء ونسأل الله الحكمة. كما جاء في قوله سبحانه: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا﴾.
فسلام على محمد بن عبدالله؛ الذي أخرجنا من ظلمات الجهل؛ إلى نور العلم والمعرفة؛ عليه أفضل الصلاة والسلام.

*كاتب ومفكر وراصد اجتماعي مغربي

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...