د.إدريس الأندلسي
كان زوار طنجة و تطوان و الحسيمة و المراكز الحضرية و القروية المحيطة بهما يعبرون عن إعجابهم بالمنطقة و يتأسفون على واقعها. هذه المنطقة كانت و لا زالت، و لو بنسبة أقل بكثير من السابق ، مرتعا للاغتناء السريع لبارونات التهريب و المخدرات. و لم تسلم من حضور مريب لبعض الشخصيات في مجالسها الترابية و حتى في لائحة ممثليها بالبرلمان. هناك من أخذ الكلمة في جلسات الأربعاء و تكلم بإسم قبائل و مدن في الشمال و هرب إلى الخارج و أصبح بفعل الفوضى السياساوية ” مناضلا” انفصاليا أدى إلى تعبئة بعض أبناء الريف إلى متاهات. و أبناء المنطقة لا يحلمون إلا بالعيش الكريم و مرافق عامة في مجالات التعليم و الصحة و البنيات التحتية.
أكدت الأحكام الصادرة عن المجلس الدستوري أن التنافس بين اقطاب السياسة في الريف و بكافة تلويناتهم الحزبية تشوبه الأخطاء القانونية و تم الإسقاط و الطرد من البرلمان. و هذه إشارات من مجلس دستوري إلى أحزاب تركع أمام سلوكات يفرضها من يبني سطوة بمال كثير و في غياب البحث عن مصدر هذا المال. وهكذا نصنع كلنا بما في ذلك مؤسساتنا طبقات سياسية تضرب هيبة الدولة في الصميم. و هكذا تنتصر معاول الهدم على سواعد البناء. المهرب و تاجر المخدرات يمول حملة انتخابية لرئيس حزب كبير و ذو تاريخ و الزعيم يتجاهل تكلفة حملته الانتخابية و لا يطرح سؤال المصدر و هو الآتي من عمق أواصر الدم و النسب التي بنت مجد حزبه. أما أحزاب ” الإدارة ” فهذا نهجها و عليه تأسست و أقسمت أن تنصر مسؤوليها و تناصرهم ظالمين كانوا أو مظلومين. و لنا في بعض الفاشلين تعليميا مثالا على انتصار الرداءة على الجودة على صعيد رئاسة الجهات و مجالس الأقاليم و العمالات و الجماعات.
و يظل السؤال هو ذلك السر الكامن وراء التقدم الهائل الذي عرفه شمال المغرب و الذي أصبح عنوانا بارزا في مجال مؤشرات الصناعة و التجارة و التموقع الإستراتيجي. السر الأول يكمن في إرادة ملكية وطنية بدأت منذ انطلاق حكومة التناوب. و للتاريخ وجب التأكيد على أن الحلول التقنوقراطية البسيطة التي خدمت طبقة من المغاربة و افقرت الكثير منهم، أوصلت المغرب إلى الباب المسدود أو إلى ” السكتة القلبية ” كما وصفها الملك الراحل الحسن الثاني. و مع وصول الملك محمد السادس انطلق العمل بجد و بإصرار شعاره التغيير.
الشمال المغربي بدأ يتغير لمواجهة واقع مرير عنوانه التهريب و تجارة المخدرات و قوارب الموت. الأرقام كانت في تزايد. وقف أحد مستشاري الملك في باب سبتة و قال كلمة لخصت الوضع الكارثي للمعبر الحدودي. و تطلب الأمر العمل و التفكير إلى أن وصلنا إلى إعادة الساعة إلى الصفر. كان السكوت شبه سلوك متوافق عليه. و لكن الإرادة أوقفت المهزلة في باب سبتة و في معبر مليلية المحتلتين. التهريب عمليات كان المستفيدون منها من الكبار الذين حاولوا وصفه بالتهريب المعيشي. سيارات كانت تصطف بالمئات أمام المعابر الحدودية على مراىء و عيون كل السلطات و المستفيدون يغرقون أسواق البلاد بسلع كثيرة و على الخصوص المواد الغذائية و الملابس.
و كانت الآثار وخيمة على صحة المواطن و تهريب العملات و تزايد معدل الرشوة و تراجع إنتاج وحدات صناعية. بدأ مخطط تنمية الشمال بمشروع طريق ثم امتد إلى ميناء فمنطقة لوجيستيكية و صناعية و سد و غلق للحدود مع المدينتين المحتلتين لنصل إلى وضع غير ذلك الذي كنا نعرفه. المركب الميناءي طنجة المتوسط أصبح مؤسسة عالمية و وكالة تنمية مدن الشمال تحولت إلى خلية نحل لتتبع المشاريع المهيكلة. كثير من المهندسين الشباب اكتسبوا خبرة في تتبع إنجاز المشاريع و السهر على تنفيذها. من يعرف فاعلية وكالات التنمية سيكون أول منتقد للتتبع الإداري الكلاسيكي لتنفيذ المشاريع.
و لا يمكن لمتتبع للشأن العام أن ينسى أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد نصت على وكالات تنفيذ المشاريع كمؤسسات لتغيير التدبير الجماعي. و لكن الأحزاب سبحت ضد التيار و اعتبرت هذه الوكالات غير ديمقراطية رغم طابعها التنفيذي المهني و خضوعها لكافة أنواع الرقابة. و سيظل حالنا كما هو عليه مع تسلط الاميين و محترفي العنف السياساوي على التدبير الجماعي . المهم أن شباب هذا الوطن هم من صنعوا التغيير في شمال المغرب و اتقنوا تنفيذ التوجيهات الملكية بمهنية عالية. و للتذكير فمركب طنجة المتوسط يديره مدير سابق لوكالة تنمية الشمال و المدير الحالي كان من الاطر الخبيرة العليا لهذه الوكالة و رئيس مجلس إدارة موانئ المغرب الذي تم تعيينه أخيرا هو من الأطر المغربية التي اشتغلت على أرض و واقع الشمال. و السر هو وضع الثقة في الاكفاء من أبناء الوطن مهما كانت وضعيتهم الإجتماعية و انتماءهم الجغرافي. و لكل ما سبق و حتى لا يتفاجأ المواطن بوصول أسماء إلى مناصب عليا دون استحقاق، وجب وضع آليات لقياس الكفاءة و حسن السلوك لكي لا تخضع الترقيات و التعيينات في المناصب العليا لغايات حزبية ضيقة تحكمها المصلحة الضيقة. مثال الشمال يحتذى لضمان الكفاءة و حسن الإنجاز.