عائشة بلحاج
صحافية وشاعرة مغربية.
لم يُرض حراك “شباب Z” كثيرين؛ فما علاقة هؤلاء الفتيات والفتيان بالمشكلات الاجتماعية؟ هُم الذين لم تُدركهم بعد مشكلات الحياة ولا مسؤولياتها. فلا هُم آباء ولا أمهات يواجهون ثقل تعليم هزيل لأولادهم، ولا جربوا الرّكض للحاق بوتيرة تدريس المناهج الدراسية، وضعف فهم الأطفال لها، ولم يحملوا همّ مرضى العائلة من والدَينِ وإخوة وأبناء ومصاريف الأطباء والأدوية وغيرها. وفوق ذلك هو جيل رقمي لا علاقة له بالواقع… وغيرها من الفرضيات العمياء.
من السهل التفكير بهذه السطحية والاستخفاف في فئة عمرية. وفقط حين انتشَرت فيديوهات تصوّر مشاهد الشّباب وهو يُمسك من أمام الميكروفونات، ليُدسّوا في عربات الشرطة والتهمة: “رأي”، حينها، رأوا ورأينا كيف تُكتم الأصوات لأنها تعبر عن نقص فادح في الضرورات اليومية، وأنهم على وعي كبير بالواقع، وفي غاية الشجاعة.
من تصريحاتهم، عرفنا أن لبعضهم أقارب مرضى عانوا سوء الخدمات الطبية، وكثير منهم صارع هزالة التعليم وصعوبة المناهج وكثرتها. واختزالهم في يفاعتهم، وتفسير اختفائهم من النقاش العام على أنه جهل ولامبالاة، يدل على ظلم حقيقي لهذه الفئة العمرية التي اختزلت في مظاهر سطحية سلبية في الواجهة. لكن الوضع أعقد من ذوق عام في موسيقى رديئة، أو انشغاله بالترفيه الرقمي، أو عدم مرونته أمام أحكام الجماعة. هذا جيلٌ مختلف يعبّر بشكل مختلف، ولعل ذوقه في الموسيقى والملابس، وانصرافه عن الأخبار لا يعني أنه غير مهتم ولا واع، بل يؤشّر إلى موقف رافض عقلية ترفضه ولا تفهمه، وتنظر إليه من الخارج، من دون أن تكلّف نفسها عناء استيعابه.
سخّف بعضهم الحركة الطلابية في أميركا في تضامنها مع غزّة باعتبار أنّها حركة شباب أثرياء ليس لديهم ما يخسرون، على عكس الطلبة الفقراء في الجامعات العادية. الحقيقة أن الضغط الممارس على الطلبة الأغنياء لا مثيل له، فالأُسر الغنية تريد أن تفتخر بأبنائها الخرّيجين في أرقى الجامعات. والطلبة الذين يأتون من أسرٍ نجحت بالتعليم الجيد في الوصول إلى مناصب جيدة، تريد أن يواصل الأبناء المسار بنجاح أكبر في الدراسة. ولا يتبقى سوى نسبة ضئيلة من المدلّلين الذين لا يكترثون لشيء. ولا أظن أنك ستجد هؤلاء في كوكبة الحركة الطلابية.
في فرنسا، شكلت الثورة الطلابية، ربيع 1968، نموذجاً عالمياً لقوة الجامعة منبعاً للتغيير. ضمن سياق تأثرت به دول كثيرة ودفع الجامعات، بل حتى المدارس الثانوية، إلى أن تكون المصدر الأول للحراكات الاجتماعية. وسواء خلال فورة نشاطات النقابات أو في فترات ضعفها، ظلّت الجامعات مصدراً مهماً لإزعاج السلطات.
في مصر، يعتبر معظم المؤرّخين ثورة 1919 ثورة طلابية في المقام الأول. وظهر دور الطلبة الفعال بعد نفي زعيم الوفد سعد زغلول. فرفضوا الانتظار ومفاوضة الاحتلال. ورأوا ضرورة الخروج والمطالبة بحقوقهم، وانتزاعها بالقوة من المستعمر. ليشكلوا بذلك وقود الثورة. ولهذا جاءت قصيدة أحمد فؤاد نجم “رجعوا التلامذة” التي غناها الشيخ إمام، لتصير نشيداً طلابياً. وتَرسَّخ دور الحركة الطلابية في مصر مع انتفاضتها الشهيرة عام 1971 داخل الجامعة لرفض ما عرف بحالة اللّاسلم واللّاحرب، بين مصر والكيان الصهيوني.
في المغرب، شكلت الحركة الطلابية امتداداً للحركة الوطنية، فأصبحت قوة اجتماعية وسياسية مع تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عام 1956 الذي صار من أهم مصادر الفعل المعارض إلى جانب النقابات المعتمدة على المشتغلين بالتعليم. فالوعي السياسي وقوة المعارضة وصلابة الأحزاب في القرن العشرين يعود إلى قوة الحركة الطلابية، وإلى الجامعات التي نمّت تياراتها الوعي السياسي والانشغال بالشأن العام لدى الشباب، منذ الاستقلال وإلى الآن. رغم تفاوت المستويات بين المدن والجامعات، ورغم التراجع الكبير في مستوى التعليم الجامعي، وإضعاف كليات الآداب والعلوم الإنسانية لصالح الكليات العلمية والتقنية.
واليوم مع الجيل Z، الذي لا يمكن القول إنها أولى حركاته، إذ رأينا حركة احتجاجية قوية قبل سنوات مع طلبة الطب والأساتذة المتدربين، وكلاهما نظم حركة احتجاجية قوية، أدت إلى تحقق جزء من المطالب بعد تماسكها شهوراً في مواجهة تعنّت الحكومة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف





