ذ.عبد الله مشنون
كاتب صحفي من ايطاليا
عندما سمعنا عن استقالة وزير الثقافة الإيطالي جينارو سانجوليانو، كان الأمر بمثابة هزة كبيرة في عالم السياسة والثقافة، ليس لأن السبب كان جريمة كبرى أو فضيحة من العيار الثقيل، بل لأنه كان يتعلق بعلاقة غرامية مع مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي. قد يظن البعض أن هذه القصة هي تجسيد لأحد الأساطير العصرية، حيث يلتقي عالم السياسة بعالم المشاهير بشكل غير متوقع، ولكنها أيضاً تبرز بعض التناقضات والفجوات في عالمنا المعاصر.
سانجوليانو، الذي كان يُفترض أن يكون الحامي الأمين للتراث الثقافي الإيطالي، وجد نفسه في قلب أزمة لا تتعلق بالسياسات الثقافية أو الإدارية، بل بحياته الشخصية. يبدو أن الوزير، الذي يُفترض أن يكون مثالاً يحتذى به، لم يكتفِ بتبديد أموال دافعي الضرائب في مغامرات عاطفية، بل أضاف إلى ذلك مشهدًا هزليًا بطبيعته من خلال محاولة إنقاذ ماء وجهه بأعذار تبدو سخيفة.
على سبيل المثال، قال سانجوليانو إنه دفع شخصياً نفقات رحلات المؤثرة، ماريا روزاريا بوتشا، مما يجعل الأمور تبدو وكأن المشكلة هي ببساطة مسألة محاسبية. بينما هو يروج لشفافيته المطلقة، يتساءل المرء، هل هذا هو المفهوم الجديد للنزاهة في السياسة؟ فإذا كانت القضايا الشخصية يمكن أن تُحل بمجرد إظهار الفواتير، فماذا عن القيم الأخلاقية؟
هذه القصة تذكرنا بفضائح سابقة كان بطلها سياسيون آخرون تسببت تصرفاتهم غير المناسبة في تحطيم سمعتهم. مثلاً، لا يمكننا أن ننسى فضيحة سيلفيو برلسكوني في إيطاليا، حيث كان له تاريخ طويل في العلاقات غير الشرعية وأزمة الأخلاقيات. وعلى الرغم من أن برلسكوني كان له تأثير عميق على السياسة الإيطالية، فإن مشاكله الشخصية ألقت بظلالها على إرثه السياسي. كذلك، لم تخلُ المشهد السياسي البريطاني من أمثلة مشابهة، كفضيحة توني بلير وتورطاته، التي بالرغم من طبيعتها الأقل إشكالاً من حيث المعايير الأخلاقية، تظل ذات طابع خاص في تراجع الصورة العامة للسياسيين.
عندما تعلن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أنها تشكر سانجوليانو على “العمل الاستثنائي” الذي قام به، فإن ذلك يضيف طبقة أخرى من التناقض إلى القصة. كيف يمكن لحكومة أن تواصل دعم شخص أصبح رمزا لفشل القيم الأخلاقية، بينما تتغنى بالإنجازات التي لا علاقة لها بالفضائح الشخصية؟ إنه مشهد يعكس فصلاً جديداً في مسرحية السياسة الإيطالية، حيث تتداخل معايير المهنية مع خفايا الحياة الشخصية بطريقة غير مقبولة.
أخيراً، يظهر أن الاستقالة كانت أقل من مجرد خروج مهذب من المنصب. إنها تذكير صارخ بأن السياسة، مهما كانت ضابطة للأخلاق ومفيدة للمجتمع، يمكن أن تتأثر بشدة بالأزمات الشخصية. وهذه الأزمات يمكن أن تتسبب في حدوث دروس قاسية تذكرنا جميعاً بضرورة فصل الحياة الشخصية عن المسؤوليات العامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقدوة والمثال الذي يُحتذى به.
تظل هذه القصة درسا في كيفية تأثير الحياة الشخصية على المهنية وكيفية تعاملنا مع الفجوات الأخلاقية في الساحة العامة، ويبدو أنها ستبقى نقطة نقاش في المجالس السياسية والإعلامية لوقت طويل قادم.