عالم مهبول

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

د.الحبيب ناصري

 

نعيش اليوم، زمنا ملطخا برائحة الموت، والدمار، والخراب. عالمنا، فقد بوصلته منذ أن فقد المعنى الحقيقي للإنسانية. عالم بني اقتصاده على لغة الحروب، والدمار، وتعليب الموت، والحياة لبيعهما، وتلوين سواد الزفت، بدماء بريئة، أعياها البحث عن شربة ماء غير مبللة برائحة البارود.
عالم يأكل فيه كبيره صغيره، وكاميرا معتوهة تنقل ذلك بحثا عن “البوز”، لبيعه في أسواق مجنونة، تبيع كل شيء ولا شيء. عالم تافه، أصبح فيه المرض صناعة، والجوع تخطيطا، وقتل الأطفال، ضرورة للدفاع عن النفس. رائحة الخراب والدمار والموت، أيقونات يصدرها هذا العالم المهبول، لضعافه الذين تفرقت بهم السبل. لم تعد للحكاية لذة لحكيها. أصبحت سردية عسكرية حزينة تحكى في النهار. فقد الليل لذته، وراحت الجدة تبحث عن لقمة عيش تنقذ بها بطون أحفادها، بعد قتل ظالم مهبول لأمهم. تغول المعتوه، وتقزمت الإنسانية، حتى عادت خيطا رهيفا، تقطعه كسرة خبز، صنعت لها أسلحة خصيصة لتدمير لبابها. ملعونة هذه الحياة. فقدت لذتها، ورائحة الشعر، لم تعد تهز لسان الناقد الذي ماتت أحاسيسه من قساوة حروف، تلطخت بدماء القهر والظلم .

عالم مهبول، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبكل لغات هذا الكون، بما في ذلك لغة الحيوان والشجر والحجر والضجر.
صحيح، فأصوات العقل/الحكمة، المنشورة في أمكنة عديدة، في هذا العالم، وعلى الرغم من قلتها، هي اليوم منشغلة بفرملة مهبولي هذا العالم. إليهم نهدي كل ألحان العالم.حربها ضد حروب عالمنا المهبول. لن تتوقف صيحاتهم.. فهناك من يعيش بيننا، وقد تربى على شم رائحة دماء الإنسان، وهي تسيل أمامه، انتعش حلمه اللعين، بتخريب وتدمير أمكنة عيش في بقاع عديدة من هذا العالم. تبدلت القيم، وأصبح التافه، صاحب مكانة مرموقة، وانسلت وجوه عديدة، بصمت حياتها بالمعرفة والعلم والجمال، للوراء، حفاظا على ما تبقى في الروح من نفس..

عالم يصور فيه الموت مباشرة.. وتهدم فيه البيوت، ويتلذذ الهادم هدمه، وهو يرقص على إيقاعات نشيده المجنون المحور بعيدا، عن نور الله الذي أنزل ليفرح الناس..كل الناس.
ما ذنب طفل، بقي وحده بلا عنوان.. تائها باحثا عن لقمة عيش، يعيد بها الروح لبطن أعياه الخواء..
باعة الخطايا والذنوب..يلتهمون ما تبقى من الروح ..هناك خراب .. وبجانبه شيخ تبكيه أيامه العجاف، ذل زمنه اللعين.. آهات طفلة فقدت ما تبقى في الحلم من حكاية. عالم مهبول، فقد بوصلة الإنسانية، وأصبح متعطشا للموت والدمار والخراب ..
كواليس توقع على بياض الموت. الأرض أعياها حفر القبور. تقلصت حقول الزيتون والتين. رقص الجندي الممسوخ على إيقاعات الدمار.شل ما تبقى في الحياة من رقص وفرح.. أصبحنا “نصرط” لقمتنا وعيوننا جامدة أمام مشهد تفجير بيوت، حكت فيها الجدة، حكاية الطفولة، لفراخ كانت تجني التين كل صباح، لعصر ما في جوفها من ماء طاهر، توضأ به اليتيم، ورقص على إيقاعات رائحته الزكية.
عالم مهبول..يزداد كل يوم في هبل مجنون، يقلع ما تبقى في جوف الأرض من تراب .. فمن سيدفننا إذا قتلنا جميعا ؟.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...