في الحاجة إلى السينما .. في الحاجة إلى الجمال

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

د. الحبيب ناصري

 

 

 

التربية على الفنون، تربية على الجمال. مدخل حقيقي لخلخلة عالم اليوم المتعطش للحروب، وتدمير ما تبقى في هذا الكون من إنسانية. نحن في حاجة إلى الرحمة. في حاجة دائمة، إلى عالم يعيش داخل دائرة حلم دائم البوح. إنها مفتاح من مفاتيح التمرد الرمزي والدال على كل مظاهر العنف والقبح والتكفير .
تاريخيا، ومنذ أن خلق الإنسان فوق هذه الأرض، عبر، وفق ما كان بين يديه، عن حاجته للسعادة. بحث عنها بأشكال عديدة. ظل يبدل تعاريفها، وفق حاجته، ووفق ظروف عصره. لقد وجد في التعبيرات الفنية، وسيلة من وسائل البوح، لفهم العالم، ومحاولة تطويره نحو الأفضل.. نحو الأجمل.

السينما، ومنذ أن تم القبض على معادلتها التقنية والعلمية والفنية، وظفها الإنسان، وفي جغرافيات هذا العالم المختلفة، لكي ينطر، ومن خلال نافذتها/عينها، إلى ما يجري حوله، موظفا العديد من القصص المختلفة، بل وموظفا العديد من أشكال التجريب الفني، ليواجه بها كل أشكال التخريب الداخلي لعوالمه الوجدانية والإنسانية، بحثا عن الأمان المفقود في أمكنة عديدة من عالمه. كما فيها من يبرر ويطبع مع هذا الخراب، ويحصر بها، حضارة العمران في خانة واحدة لا غير ..
السينما فن جميل، ومهما حاولنا ربطها بالعديد من التعاريف والتفسيرات، ذات الحمولات والوظائف الاجتماعية أو التاريخية أو النفسية أو الاقتصادية، الخ، فهي أيضا رؤية جمالية، للذات وللآخر وللعالم. جمالياتها، شرط ثقافي “لابد” منه في كل تعريف يقدمه الأستاذ لطلبته، أو أثناء الكتابة عنها وفي سياقات مختلفة. نعيش، اليوم، في عالم، بني اقتصاده، على “منطق” البيع والبحث عن الربح، بل عالم تحول فيه الإنسان إلى كائن “استهلاكي” بامتياز. تم تعليب حياته. حول كل شيء فيها للتبضيع، وبه أدخل في دائرة التضبيع، مما جعله لا يلتفت لمواقع الجمال التي تسكنه، بل أصبح يعيش خارج الحق في الحلم/الجمال.

هل من الممكن الرهان على الفنون، لاسيما السينما، كلغة مبنية على الصورة، في خلخلة هذا العالم، وتنبيهه إلى كون الجمال، رهانه النوعي، وأسئلته الفلسفية الحقيقة التي عليه أن يعض عليها بروحه وبكل أعضائه، ليبقى حيا في عالم تحاصره رائحة الموت من كل الجهات؟.
الرحمة الفنية الباحثة عن بقع الجمال التي تسكن الإنسان، ورقة بيضاء، من الممكن حملها في وجه هذا القبح الذي تطبعت العين على مشاهدته. عنف أصبح يلازمنا، حتى ونحن نقذف طعاما، صنع من خارج الطبيعة، نحو جوف أعيته صيحات هدم ما بناه هذا الإنسان من قصص حلم على مر التاريخ. تعب التاريخ منا!. أرهقه مداد وصيحات المؤرخين والخبراء. أصبح بدوره حالما بتاريخ آخر.. تاريخ يعيد فيه الإنسان، تعريفه من جديد، ليبني عالما جديدا تسود فيه هوامش إنسانية عديدة، ساهمت في صنع مجد مراكز عديدة في هذا العالم.
وحده الجمال، ما بقي في يدنا اليوم، لنقايض به عنف العالم، وتعطشه لصناعة أدق التكنولوجيات الفتاكة، والمفتكة بإنسان ولد ليحلم ويبدع قصصه، وكما يحلو له.

السينما اليوم، حاجة جمالية وإنسانية وروحية، قد تغطي على هذا الفراغ المهول الذي قادنا وأدخلنا جميعا إلى قاع عولمة مرهقة، تتاجر حتى في حاجيات حبل المنتحر ودفنه!.
الحاجة إلى السينما.. والفنون ككل، هي حاجة إلى الجمال ..بوح لابد منه لقول لا لهذا العالم العنيف .. بها من الممكن تقزيم قوة مدفع، صمم لهدم الشجر والحجر وقتل أرواح أحبت الحياة . بمشهد سينمائي يدعو للجمال .. يدعو لبوح إنساني عميق، من الممكن تدميره وتفكيك عبواته الناسفة !.
ما أحوجنا إلى سينما تتغيا الحق في البوح/الجمال.. إنها رهان من لا رهان له..

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...