وضاح عبد الباري طاهر
أخي العزيز الفنان الكبير علي الحمزي. مضى وقت طويل على تلك الجلسات الرائعة، والليالي قصيرة العمر؛ قضيناها معًا بصحبة أستاذي القدير علي النور، والفنان محمد حلبي، في منزلك، وأحيانًا عندي بالبيت، وأنت تدندن بالعود، وتغني بإحساسك الجميل..
شهورٌ ينقضينَ وما شَعَرْنَا * بأنصافٍ لهُنَّ ولا سَرَارِ
فأمَّا ليلهُنَّ فخيرُ ليلٍ* وأقصرُ ما يكونُ من النَّهارِ
اخترتَ الظِّل، واختار غيرك مِمَّن لا يُوزن بك في فنِّك، ولا يَعزِف بأناملك، أو يُحلِّق بخيالك وموهبتك- الشهرة والضجيج والدعاوى العريضة.
كنت أحتفظ لك بمجموعة من الأغاني منها: «أسى عمري»، «على فكره»، و«حيران انا»، وهي من كلمات الأخ العزيز الشاعر محمد السقاف.
رأيت الأخ محمد منذ قرابة ست سنوات في أحد شوارع العاصمة؛ حيث كانت ابنته تدرس اللغة هناك، وأخبرني بأنه عازم على الهجرة. أمَّا أنت فالتقينا قبل ذلك بسنوات طويلة بعد أن تفرقت بنا السُّبل في باب اليمن، وتحدثنا قليلاً، ثم مضى كُلٌّ مِنَّا إلى شؤونه الخاصة.
شريط الكاست الذي أحتفظ به لك كان لا يفارقني، وفيه الأغاني المذكورة، وأغانٍ أديتها لأم كلثوم: «بعيد عنك»، و«أنت عمري»، و«ما تصبرنيش»، والأغنية اللحجية «ياللي تركت الدمع يشوي مقلتي» أبدعت فيها وأجدت في غنائها، ولا زالت أذكر المقطع الذي لم أكُنْ أملّ من ترديده: «إيش ذنبي غير حُبِّي للجمالْ والرشاقهْ والدلالْ»، وفيه أيضًا أغنية بصوت ابن أخيك الصغير، ولا شَكَّ أنَّه الآن قد كبر وصارَ رجلاً شابًا؛ وهو يضرب بالإيقاع، ويغني -وأنت تعزف له- بصوته الشجي «محبوب قلبي هجرني»، فضاع مني في السيارة التي نُهِبتْ.
لعلك الآن في المهجر كغيرك من اليمنيين الذين أصابهم الداء القديم، وفرقتهم الحروب ومآسي الصراع على السلطة كما فَرَّقَتْ أسلافهم العرب..
هذي الحَياةُ إذا ما الدّهرُ خَرّقّها* فَما بنانُ أخي صُنْعٍ بِرَافِيها
آمالُنا في الثُّريا مِنْ تَطاولها* وحلمُنا في رِياحِ الطّيشِ هافِيها