الحكومة الإيطالية أمام القضاء بسبب جرائم إسرائيل

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

إبراهيم عثمان

 

 

الحكومة الإيطالية على موعد يوم 5 فبراير/ شباط المقبل للمثول أمام المحكمة الإدارية لإقليم لاتسيو في قصر العدالة بروما، بموجب دعوى رفعها المحامي لويجي باتشوني في 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك للإقرار بعدم مشروعية عدم امتثال رئيسة مجلس الوزراء جورجيا ميلوني للدعوة التي تلقتها من أجل اتخاذ تدابير إدارية متوافقة مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ضد جرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة.

هذا الإجراء القضائي أعقب عدم رد ميلوني على الخطاب الرسمي الذي تلقته في 29 يوليو/تموز 2024 من مجموعة مكونة من خمسة مواطنين إيطاليين (بينهم محاميان)، دعتها فيه إلى الوفاء بالالتزامات التي فرضها الدستور الإيطالي والقانون الدولي، من خلال التعاون مع هيئة الأمم المتحدة من أجل تفعيل المبادئ القانونية التي عبّرت عنها محكمة العدل الدولية في 19 يوليو الماضي، من خلال رأيها الاستشاري. ورأت المحكمة حينها أن إسرائيل تمارس التمييز بصورة منهجية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وأن ممارسات إسرائيل وسياساتها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية “غير قانوني” ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”، وأن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية هذا الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم العون أو المساعدة في الحفاظ على الوضع الناشئ عن استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.

باتشوني: نطلب الدعم المعنوي من المجتمع المدني الإيطالي من خلال فتح نقاش في بلدنا حول الأصول العميقة التي تقوم عليها دولة القانون لدينا
الحكومة الإيطالية تتجاهل الدستور
من جهتها، رأت لجنة الدفاع عن القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية، ومقرها مدينة باري الإيطالية، أن حكومة ميلوني يبدو أنها تتجاهل بنود الدستور الإيطالي التي تنص على وجوب توافق النظام القضائي الإيطالي مع قواعد القانون الدولي، وعلى نبذ الحرب كأداة إهانة لحرية الشعوب الأخرى ولتسوية النزاعات الدولية، وأن الدولة الإيطالية ملزمة دستورياً بتشجيع ومساندة المنظمات الدولية التي تعمل على تحقيق هذه الأهداف، وأن أي وزير في الحكومة الإيطالية يقسم منذ يوم توليه مهام منصبه بالولاء لدستور البلاد. وأضافت اللجنة، في عريضة لها بتاريخ 4 يناير/ كانون الثاني الحالي، أن الحكومة الإيطالية يتعين عليها وقف أنشطة الدعم اللوجستي والمساعدة الفنية التي تقدمها مجموعة ليوناردو لصناعات الدفاع، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، للقوات المسلحة الإسرائيلية المنخرطة في عمليات احتلالية حربية في الأراضي الفلسطينية.

طلب دعم من المجتمع المدني
وقال المحامي لويجي باتشوني، لـ”العربي الجديد”، إنه أطلق، بصفته عضواً في لجنة الدفاع عن القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية، مع عضوتين أخريين من بين الموقّعين على عريضة اللجنة، المبادرة القانونية التي حازت حتى اليوم على تأييد أكثر من 1300 مواطن إيطالي وعشرات المنظمات واللجان (الدينية والسياسية والحقوقية) على المستوى الوطني الإيطالي. وتابع: “نحن نطلب الدعم المعنوي من المجتمع المدني الإيطالي من خلال فتح نقاش في بلدنا حول الأصول العميقة التي تقوم عليها دولة القانون لدينا. والحقيقة أن هذا الإنجاز العظيم للتنوير الأوروبي يبدو مهدّداً على الساحة الدولية مجدداً من قبل سلوك حكومات تبدو داعمة لقانون الأقوى غير المقبول في العلاقات بين الشعوب”.

وأعرب باتشوني عن اعتقاد أصحاب المبادرة أن “الدولة الإيطالية، التي اعترفت منذ فترة طويلة بقرارات محكمة العدل الدولية، يقع عليها واجب التعاون بفعالية مع هذه المحكمة في تنفيذ القرار الذي اتخذ في 19 يوليو لحماية مبدأ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني”. وأضاف: “لقد فتحنا، بعبارة أخرى، من خلال مبادرتنا القانونية، نقاشاً في المجتمع الإيطالي حول الدفاع عن مبادئ دولة القانون، وهو موضوع يتعلق، عند تطبيقه على العلاقات بين الشعوب، بالتزام كل حكومة باحترام قوانين وقرارات مؤسسات العدالة الدولية، التي تمثل الحصن الوحيد ضد الهمجية التي يبدو أن لها الغلبة اليوم في كوكبنا”.

لا تهدف الدعوى إلى إجبار الحكومة على احترام قرار محكمة العدل، بل لإجبارها على الرد على المواطنين الذين وجّهوا الدعوة

ورداً على سؤال حول أسباب اتخاذ هذا الإجراء القانوني في هذا التوقيت، أوضح المحامي الإيطالي “استلهمنا الدعوى، غير المسبوقة، من حسّ ديمقراطي متجذر في الميثاق الدستوري الإيطالي، الذي خرج من رحم المقاومة ضد الفاشية النازية”. وأضاف: “دعونا لا ننسى أن الفاشية النازية حوّلت، ابتداء من ثلاثينيات القرن العشرين، جزءاً كبيراً من أوروبا إلى مسرح للجرائم ضد الإنسانية من خلال الحروب العدوانية الشرسة والاضطهاد المنهجي للمعارضين السياسيين وممارسات الإبادة الجماعية المروعة ضد اليهود”. وأوضح أن “دستورنا، الذي ولد من ذلك الركام، يقر أنه ملزم باحترام القانون الدولي، ونبذ الحرب كأداة للاعتداء على حرية الشعوب الأخرى وكوسيلة لحل النزاعات الدولية. الخلاصة أن إجراءنا القانوني مستمد من هذه الأسس الوطنية النبيلة”.

ورأى باتشوني أن “احترام قرار محكمة العدل الدولية لحماية حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، في هذا الوضع التاريخي المتأزم، يمكن أن يشكل المسار الناجع الوحيد ضد العودة إلى الكارثة الإنسانية التي عرفتها أوروبا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، تحت عباءات أخرى ومن خلال فاعلين جدد غير متوقّعين”، مشيراً إلى أن “الصور المقبلة من غزة تشهد على إبادة جماعية عبر القصف والاعتداءات المسلحة والتجويع، إبادة تثير اشمئزاز ضمائر المنصفين، وتعيد إلى الأذهان تلك الأحداث المأساوية مع ما بين الحالتين من اختلافات. الشاهد أنه لا يمكننا أن نلتزم بالصمت حيال هذه المجزرة”.

ورداً على سؤال حول صلاحية القضاء الإيطالي بإلزام الحكومة الإيطالية باحترام قرارات محكمة العدل الدولية وقواعد القانون الدولي في ما يتعلق بجرائم إسرائيل في الأراضي المحتلة، أوضح باتشوني أن “الدعوى التي رفعناها لا تهدف إلى إجبار الحكومة على احترام قرار محكمة العدل الدولية، ولكنها تهدف ببساطة أكثر إلى إجبار الحكومة الإيطالية على الرد على المواطنين الخمسة الذين وجّهوا الدعوة إلى احترام القانون الدولي، ما نعتبره ممارسة ديمقراطية متقدمة”. وتابع: “أما في البلدان الشمولية، فإن إجراءً كهذا من المرجح أن يؤدي إلى الاضطهاد الشخصي والزج بالمنشقين في السجون، بينما في دولتنا الديمقراطية، ثمة حق في التحرك ضد الحكومة أمام قاضٍ مستقل عن السلطة السياسية ومحايد وفقاً لمبادئ ميثاقنا الدستوري”.

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...