هاشم شفيق
كاتب عراقي
تُشكل حياة المشاهير عالماً خيالياً حالماً لدى الغالبية من الناس، تسعى إليه بشتى السبل لمعرفته كي تنغمر فيه، وتنغمس في تفاصيله، غائرة في ثناياه، نابشة السنوات والأيام التي يمتلكها كائن ما، موهوب في مجال معيّن، في الأدب أو في الفكر والموسيقى والغناء والفلسفة والعلم والسياسة والسينما والمسرح، والفن التشكيلي، من رسم ونحت وتصميم وهندسة عمرانية، فهناك الكثير من بين هؤلاء حالفهم الحظ وأمسوا نجوماً، شغلوا حياة الكثير من المتابعين، حيثما كانوا، فرجل الأدب، الذي حصل على جائزة نوبل كأرنست همنغواي على سبيل المثال يحب متابعوه وقراؤه أن يروا كيف يعيش هذ الكاتب ويحيا، حتى ولو كان من خلال ما يكتبه هو عن نفسه، من سيرة ذاتية، أو يوميات ومذكرات تخص حياته وماضيه وكيف تُشكّل ليكون هكذا.
من هنا سنجد القارئ يتسابق مدفوعاً بفضوله بغية الاطلاع على كاتبه الذي سطّر رواية «الشيخ والبحر»، على سبيل المثال لا الحصر، فيذهب هذا القارئ وفي داخله شغف كبير للبحث عن مصير حياة هذا الكاتب، مُنقّباً في خباياها وزواياها لمعرفة كل تفصيل مرّ بحياة كاتبه هذا، فكيف لو اطلع وطالع ما كتبه عن حياته الجنسية، أو عن يومياته مع مَن أحب ومن هي أو هو ذلك الشخص الذي وقع في حبّه، أو شاركه سريره، أو قضى وطراً معه، وعشقه وسارت سيرته الغرامية ويومياته الجنسية على ألسنة الناس.
إنه في الحقيقة أمر مثير للاهتمام والملاحقة والمتابعة، ومثير كذلك للخيال أيضاً، لذا نجد القارئ يسعى إلى ولوج هذا العالم بعينه الفضولية، متتبعاً حياة فنانه وكاتبه ومعبوده هذا، فاحصاً محطاته البعيدة والقريبة، تلك التي أوصلته إلى هذا المقام والمركز، وإلى هذه المكانة من الشهرة العالمية. بالطبع الصحافة الفضائحية، والإعلام الرائج، والميديا الخبيثة، ستلاحق الفنان الشهير والألمعي والموهوب بشتى الطرق من أساليبها وألاعيبها، لتوقعه في شراكها، كما حدث مع العديد من عمالقة الشهرة في أتون هذا البريق الخلاب، بعلم أو من دون علم، بمجاهرة عامة أو بتلميح وتصريح خفي، فالناس يريدون معرفة المزيد عن حياة هذا الفنان، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، كمارلين مونرو وتشارلي شابلن وساره برنارد وفالنتينو وأوسكار وايلد، وبرناردشو وشوبنهاور واللورد بايرون، أو برتراند رسل وسارتر، وفيكتور هوغو وغوته، وريلكة وفرلين وإزرا باوند، أو بيكاسو وديغا وتولوز لوتريك ومودلياني وفان كوخ، أو إديث بياف وماريا كلاس، وفاغنر وديبوسي وتشايكوفسكي وموزارت وكازانوفا والماركيز دو ساد، أو عن قادة سياسيين أوباش أو رصينين من أمثال هتلر وموسوليني وماوتسي تونغ وغاندي ونابليون وراس بوتين وهنري الثامن والملك فاروق الماجن والشره وجون كنيدي اللعوب، هذا الرئيس الذي عاشر مارلين مونرو، رغم أن لديه زوجته جاكلين الجميلة رشيقة القوام، وعلى الرغم كذلك من دائه المزمن في عموده الفقري وأوجاع الظهر، ولكنه انخرط في علاقة مع نجمة الإغراء والشهرة والبريق الهوليوودي، متجاوزاً الحدود الدبلوماسية وحدود اللياقة الرئاسية، نحو التواصل مع نجمة لها عشاق كثيرون، وتدور حولها الشبهات الجنسية، المليئة بالحكايات المغرية، مع المنتجين والمخرجين ورجال المال المعروفين في زمنهم.
يعجّ كتاب «حياة المشاهير» بقصص صادمة، عن البعض من هؤلاء الذين نالوا قسطاً كبيراً من الشهرة، نتيجة أفعالهم المشينة أو المُخلّة والمثيرة، مُسلطاً الضوء على علاقاتهم الجنسية وارتباطاتهم الزوجية أو العشقية، وتعدد العلاقة مع هذا وذاك، ثم الذهاب إلى السرير مع أصحاب الحظوة والنفوذ والمال، كما هو حال المغنية الفرنسية أديث بياف، التي لم تعد تتذكر حينها عدد الرجال الذين واقعتهم، أو أغرتهم، فهم بالمئات على حد تعبيرها، وبعض نجمات هوليوود والراقصات المعروفات مثل إزادورا دونكان، والمغنيات مثل ماريا كالاس، والأمر هذا ينطبق على الرجال أيضاً ممن تصدّروا الشاشات والمسارح، أو ممن كانوا موسيقيين ورسامين وشعراء وكتّاب، فعالمهم مليء بالقصص والحكايات، التي أغلبها يصب في خانة الفجور والفضائح الجنسية، إذ أن الأمر لا يخلو كذلك لدى البعض منهم، من تميز حياتهم بثنائية الجنس، وتجاوز النسق العادي إلى النسق المختلف، فالشهرة غالباً لا تجلب سوى المصائب، والمال لا يجلب سوى المشاكل، والتلاعب بالعقول والإرادات، ذلك أن الصعود السريع ينتهي بالسقوط المدوّي. لدى غالبية المشاهيرـ أمراض نفسية، ملاحقات ومطاردات ودعاوى قضائية، سجون وانغماس بالكحول والمخدرات، وتحوّلت الأحلام واليوتوبيات لديهم غالباً إلى تراجيديا وديستوبيات ونهايات مهلكة، مسّت وأصابت الكثير منهم، ولم ينج إلا القليل من هذا الأتون الفاتن والأسود.
فها هو ذا الشاعر الإنكليزي اللورد بايرون صاحب كتاب «الدونجوان» كان يتمتع بشخصية ساحرة وجذابة وفاتنة، فتنت الكثير من النساء، وكان حقاً دونجوان زمانه، ورمزاً من رموز الرومانسية، ورجل أسفار سجّل رحلاته إلى أوروبا في قصيدة، هي عبارة عن سرد شعري متخيّل، وسرعان ما انتشرت القصيدة محققة مجدها الإبداعي، وقد أردف هذا العمل الذي زاد من شهرته بأعمال أخرى، أوصلته إلى شهرة فائقة مثل «الحكايات التركية اليونانية، عروس الأبيدوس، القرصان، حصار كورنثة» وغيرها. كان اللورد بايرون جوّاباً للآفاق، وتميز بموهبة شعرية قوية متدفقة، فضلاً عن مجونه وشهواته الحياتية الكثيرة، وعلى الرغم من علّته في قدمه الشوهاء، التي حاول بترها في يوم ما، فشهرته تخطت بلده إلى العالمية.
كذلك هو الأمر مع همنغواي الشقي والمغامر والمُحب للحياة، والمندفع بكل عنفوان باتجاه المخاطر، كممارسته لرياضة خطرة، مثل الملاكمة، وهواياته بمتابعة مصارعة الثيران، وكذلك صيد الحيتان والأسماك، وغيرها من الطيور والحيوانات، فضلاً عن عشقه للحيوانات المفترسة، تلك التي عقد صلحاً معها، وجاراها كشرس مثلها في مهماتها البرية، ثم انخراطه في حرب إسبانيا الأهلية، ومناصرته للثائرين الإسبان، الذين وقفوا في وجه الديكتاتورية، ثم انضمامه للمسعفين والمراسلين الحربيين في الحروب، فهو منذ صغره يتابع ويجري ويتحرّك مع سيل من المغامرات والمهالك، عشق نساءً كثيرات، وتزوّج أكثر من ثلاث مرات، مزاجي وعاطفي وعنيف في آن واحد، نال الجوائز، أبرزها نوبل، تكريماً لحياته أولاً ولرواياته اللافتة، ولاسيّما «الشيخ والبحر» التي تحكي قصة صراع الإنسان مع الوجود والمصادفات التي يواجهها، إلى أن ختم حياته في كوبا بالانتحار ، بعد رحلته الطويلة مع المجد والشهرة وأخيراً المرض.
وها هوذا الأمر نفسه نراه مع الإنكليزية فرجينيا وولف أيضاً، الكئيبة والمبدعة المدهشة، في أعمالها الاستثنائية، تلك الكاتبة التي غيّرت في مفهوم القص والسرد الروائي، بإدخالها ثيمات جديدة وحداثية على نصوصها الروائية، لتختتم حياتها في ما بعد، وبعد كل تلك الشهرة بالانتحار غرقاً، في نهر قريب من منزلها، تاركة وراءها أعمالاً إبداعية خالدة لا تنسى. ناهيك عن حياة الحكام والسياسيين، وما جرى لهم من مكائد ومؤامرات وفِتن، وكيف هم حكموا شعوبهم وبأي طريقة ووسيلة.
تجدر الإشارة إلى أن كتاب «حياة المشاهير» الصادر عن «دار المدى» الذي ترجمه محمد حنانا، مؤلفوه عديدون، وهم إما صحافيون فضوليون، أو كتّاب سيَر ورواة لحكايات المشاهير وهي كثيرة.