المغرب: شريك استراتيجي في دعم أمن الساحل واستقراره

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد القادر الفرساوي

 

 

 

منذ عقود، كان المغرب يراقب التطورات في منطقة الساحل بقلق، فالأحداث الأمنية والاضطرابات السياسية هناك لا تؤثر فقط على الدول المعنية، بل تمتد تبعاتها إلى شمال إفريقيا وأوروبا. موقع المغرب الاستراتيجي جعله لاعبا محوريا في التوازن الإقليمي، حيث وظّف مزيجا من الدبلوماسية، الأمن، والاستثمار لتعزيز الاستقرار ومحاربة التهديدات العابرة للحدود، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.

لم يقتصر الدور المغربي على مقاربة أمنية بحتة، بل شمل جوانب اقتصادية وتنموية من خلال إطلاق مشاريع كبرى تعزز الترابط الإقليمي وتقلل من دوافع عدم الاستقرار. ومن بين هذه المبادرات، “المبادرة الأطلسية” التي تهدف إلى منح دول الساحل غير الساحلية منفذا بحريا عبر الموانئ المغربية، ما يقلل من تبعيتها لممرات تجارية غير آمنة.

الساحل: منطقة مضطربة ومركز للرهانات الدولية

يُعد الساحل اليوم أحد أكثر المناطق اضطرابا في العالم، حيث يتقاطع فيه الإرهاب مع الجريمة المنظمة والانقلابات العسكرية والنزاعات العرقية. كانت هذه المنطقة تاريخيا فضاء للتبادل التجاري والثقافي، إلا أنها تحولت في العقود الأخيرة إلى ساحة صراع بين قوى محلية وإقليمية ودولية.

يشكل الانسحاب التدريجي للقوى الغربية من المنطقة، كما حدث مع القواعد العسكرية الفرنسية في مالي وتشاد والأمريكية في النيجر، فراغا أمنيا تسعى دول مثل روسيا وتركيا إلى ملئه، مما يعكس تحولا كبيرا في موازين القوى. في الوقت ذاته، تتزايد أهمية الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم المغرب، الذي بات يُنظر إليه كشريك يمكنه تقديم حلول أكثر توازنا تجمع بين الأمن والتنمية.

المغرب: بين الأمن والاستثمار في الساحل

أدرك المغرب أن الاستقرار لا يُبنى على المقاربة الأمنية فقط، بل لا بد من معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للأزمات. ومن هذا المنطلق، استثمر في البنية التحتية، خاصة في مجالات الطاقة، النقل، والاتصالات، ما ساعد على تعزيز الروابط بين دول الساحل وشمال إفريقيا.

من أبرز المشاريع التي أطلقها المغرب:

– أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يهدف إلى تأمين إمدادات الطاقة لعدة دول في غرب إفريقيا وتقليل اعتمادها على مصادر غير مستقرة.

– المبادرة الأطلسية، التي تمنح دول الساحل إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، ما يسهل حركة البضائع والتجارة ويخفف من تبعيتها لجيرانها المباشرين.

– الاستثمارات في القطاع المصرفي والاتصالات، حيث –

باتت البنوك المغربية تلعب دورا مهما في تمويل مشاريع البنية التحتية في المنطقة.

التحديات الأمنية والاضطرابات السياسية

على الرغم من هذه الجهود، فإن الساحل يظل منطقة هشّة أمنيا، حيث تزداد هجمات الجماعات الإرهابية، مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى. هذه الجماعات تستغل ضعف الدولة، الفقر، والنزاعات العرقية لتوسيع نفوذها.

شهدت المنطقة في عام 2025 تحولات سياسية كبرى، حيث أعلنت كل من بوركينا فاسو، مالي، والنيجر انسحابها من الإيكواس، في خطوة تعكس رغبتها في إعادة بناء تحالفاتها وفق رؤى جديدة. وقد أدى ذلك إلى توترات دبلوماسية مع جيرانها، وطرح تساؤلات حول مستقبل التعاون الأمني الإقليمي.

إحدى أهم التطورات كانت إعلان تحالف دول الساحل عن تشكيل قوة عسكرية قوامها 5000 جندي لمواجهة التهديدات الأمنية، إلا أن تحديات التمويل والتنسيق العملياتي تظل عائقا أمام تحقيق نتائج ملموسة.

التعاون المغربي مع دول الساحل: بين الضرورات الأمنية والاستراتيجيات المستقبلية من الواضح أن استقرار الساحل لن يتحقق دون تعاون إقليمي ودولي فعال. وهنا، يبرز الدور المغربي باعتباره حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء. فقد حرص المغرب على توسيع شراكاتها الأمنية والاقتصادية مع دول الساحل عبر:

– التنسيق الأمني من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات الإرهابية وشبكات التهريب.

– تعزيز التنمية الاقتصادية عبر مشاريع البنية التحتية التي تخلق فرص عمل وتقلل من أسباب التطرف.

– مبادرات دبلوماسية تسعى إلى تقريب وجهات النظر

بين القوى الإقليمية المختلفة لتجنب الانقسامات التي يستغلها المتطرفون.

في ظل عالم متغير، يواصل المغرب ترسيخ موقعه كفاعل إقليمي في الساحل، ليس فقط عبر التعاون الأمني، بل أيضا من خلال مقاربة شاملة تتضمن التنمية والاستثمار. التحديات لا تزال قائمة، لكن النهج المغربي القائم على التوازن بين الأمن والتنمية يجعله نموذجا فريدا في التعامل مع الأزمات التي تعصف بهذه المنطقة الحيوية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...