إعداد: جواد التوزاني، أستاذ وباحث في علم النفس التربوي
عبد العزيز حبدي: أستاذ ومهتم بقضايا الشباب والقيم
نظم المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري يوم الجمعة 14 فبراير/ شباط 2025 ندوة في موضوع: “الكرامة الإنسانية في الواقع المعاصر: تشخيص ونقد واستشراف”، وقد ساهم في تأطير هذه الندوة التي جاءت في سياق فعاليات الدورة الثالثة لسفراء المكارم الموسومة بدورة الكرامة ثلة من الأساتذة والباحثين الأفاضل من الأردن وهولندا، وبلجيكا والمغرب، وذلك تحت إدارة الأستاذة وديان البخاري من المغرب.
استهلت أشغال الندوة بكلمة مديرة الندوة الأستاذة وديان البخاري، التي رحبت بالضيوف الكرام وجميع المشاهدين والمتتبعين في كل منصات التواصل الاجتماعي الناقلة للندوة. وقد ركزت في تقديمها على أن هذه الندوة تأتي في سياق عالمي يشهد تحولات عميقة تهدد الكرامة الإنسانية، حيث تهدف هذه الندوة إلى تشخيص التحديات التي تواجه الكرامة الإنسانية، وتحليل أسبابها، واقتراح حلول مستقبلية.
في بداية المداخلات تناولت الكلمة الدكتورة “بيان فخري”؛ وهي دكتورة في علم الاجتماع ونائب بالبرلمان الأردني، بمداخلة بعنوان: “الكرامة الإنسانية وتفعيلها بالواقع الإنساني المعاصر”. وقد استعرضت موضوع الكرامة الإنسانية من منظور تاريخي ونقدي، حيث قامت بتسليط الضوء على الادعاءات الزائفة بالدفاع عن القيم الإنسانية من طرف الغرب، وخاصة في ظل الأزمات العالمية التي كشفت عن ازدواجية المعايير لديه… كما شدد ت على أهمية الكرامة الإنسانية كقيمة أساسية، وسلطت الضوء على الانتهاكات الواسعة النطاق لهذه القيمة في العالم المعاصر. كما انتقدت بشدة ازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وربطت ذلك بعدم الالتزام الحقيقي بالقيم المعلنة عند الغرب، عكس منظور الإسلام وما أثله في تراثه الإسلامي حيث يعتبر الإنسان كائناً مكرما منذ خلقه الأول.
لقد تعمقت المتدخلة في تحليل النظرة الغربية الاستعلائية، وقدمت أمثلة واقعية من الأحداث الجارية، مثل حرب غزة وأوكرانيا، لتوضيح ازدواجية المعايير الغربية، كما أنها تطرقت إلى النظريات الفلسفية والاجتماعية الغربية، وأكدت على أهمية تطبيق مبادئ الكرامة الإنسانية على المستوى الفردي والمجتمعي والدولي. وركزت في الأخير على الأبعاد الأخلاقية لقضية الكرامة الإنسانية وقارنت بين النظرة الغربية والإسلامية للكرامة الإنسانية، مشددة على أن الإسلام يقدم رؤية أكثر شمولية واحتراماً للكرامة الإنسانية.
وفي مداخلته التي جاءت جوابا على سؤال مديرة الندوة، إلى أي مدى ينعكس التقدم المادي والتكنولوجي في المجتمعات الغربية على تكريم الإنسان وحقوقه ؟ وما هي مظاهر الإهانة التي قد يتعرض لها الإنسان رغم هذا التقدم؟: ركز الدكتور “ميمون القاسمي” الحاصل على شهادة الإجازة في العمل الاجتماعي في هولندا والذي له ما يقارب من 30 سنة في هذا المجال، والناشط في العمل المدني ببلجيكا: ـ ركز الدكتور ميمون قاسمي ـ في مداخلته على ازدواجية المعايير في الغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فأشار إلى أن الغرب يروج لقيم مثل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، لكنه في الواقع يمارس انتهاكات لهذه الحقوق، خاصة تجاه غير الغربيين، وأشار إلى وجود فجوة كبيرة بين الشعارات التي ترفعها الدول الغربية حول حقوق الإنسان وبين ممارساتها الفعلية، لا سيما تجاه اللاجئين والمهاجرين؛ وما يعانونه من تمييز عنصري، مشيراً إلى ارتفاع خطاب الكراهية وتزايد الهجمات على الأقليات، مقارنا بين التعامل الغربي مع أزمة اللاجئين السوريين واللاجئين الأوكرانيين، مما يؤكد وجود ازدواجية في المعايير.
وفي الجزء الثاني من مداخلته دعا الدكتور ميمون القاسمي إلى ضرورة التعاون والتضامن بين الشعوب لمواجهة التحديات المشتركة وتعزيز قيم الإنسانية، محذرا من مغبة الاعتماد على النموذج الغربي في مجال حقوق الإنسان، ودعا إلى ضرورة بناء مجتمعات تعتمد على قيم العدالة والمساواة والاحترام المتبادل. كما أكد على أهمية التضامن الدولي لمواجهة التحديات المشتركة وحماية الكرامة الإنسانية.
تناول الكلمة في المداخلة الثالثة الدكتور “عبد الصمد مخلف” وهو الحاصل على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، ممثل لهيئة حقوق الانسان البلجيكية في الامم المتحدة، حيث ركز في محور مداخلته: ” الكرامة الإنسانية بين واقعنا والعلم” على أهمية الدين في حفظ الكرامة الإنسانية، و شدد على أن الكرامة الإنسانية ليست مجرد مفهوم أخلاقي، بل هي قيمة مرتبطة بالدين وتتطلب إطاراً دينياً لحمايتها، فالدين هو حاضنة للكرامة الإنسانية، لأنه يوفر الإطار القيمي والأخلاقي اللازم لحماية الكرامة الإنسانية، وحذر في خضم مداخلته من أن الأخلاق بدون دين تصبح نسبية ومتغيرة، مشيراً إلى الأمثلة التاريخية والمعاصرة، ليشير إلى أن الإسلام يعتبر الكرامة الإنسانية قيمة أساسية ويقدم إطاراً شاملاً لحمايتها، مؤكدا على أن الدين يلعب دوراً حاسماً في استقرار المجتمعات وحفظ الكرامة الإنسانية، فالدين هو الحصن الحقيقي لحماية الكرامة الإنسانية، وأن فصل الأخلاق عن الدين يؤدي إلى تآكل القيم وتدهور المجتمعات.
في ختام المداخلات، تناول الكلمة الدكتور الفاضل إدريس العلمي، وهو الحاصل على دكتوراه في الفقه وأصوله ومناهج التدريس، مستشار علمي وتربوي في قضايا التربية والتكوين، ورئيس تحرير مجله منار الهدى العلمية المُحكمة، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو اللجنة العلمية التابعة للمركز الدولي للقيم الانسانية والتعاون الحضاري، مجيبا على سؤال مديرة الندوة: ما هي الاسس التي تضمن ترسيخ الكرامة الإنسانية في الحاضر؟ وكيف يمكن تصور مستقبلها في ظل التحولات الاجتماعية والعلمية المتسارعة؟ حيث ركز الدكتور على أهمية الكرامة الإنسانية كقيمة أساسية في الإسلام، وبدأ بشرح أصول الكرامة في الإسلام، وكيف أن الله كرم الإنسان وجعله خليفة في الأرض، ثم انتقل إلى مناقشة التحديات التي تواجه الكرامة الإنسانية في العصر الحديث، مثل الاستبداد والظلم والعنف، وأكد على أن الإسلام يعتبر الكرامة الإنسانية حقًا أساسيًا لكل فرد، وأن هذا الحق يستمد من كون الإنسان خليفة الله في الأرض، و شدد على أهمية التربية في غرس قيم الكرامة الإنسانية في نفوس الأجيال القادمة، بدءًا من الأسرة والمدرسة، كما أشار إلى دور المجتمع في تعزيز الكرامة الإنسانية من خلال توفير بيئة آمنة ومحترمة للجميع، وأكد على دور الإعلام في نشر الوعي بأهمية الكرامة الإنسانية ومحاربة الأفكار التي تساهم في انتهاكها، ودعا إلى ضرورة وضع ميثاق عالمي لحماية الكرامة الإنسانية ومنع الاعتداء عليها.
وبعد المداخلات الأربع، فتحت مديرة الندوة المجال للحضور من أجل التفاعل معها تعقيبا وتساؤلا. وهو ما تفاعل معه الأساتذة الأفاضل من خلال تعقيبات ثمنت ما جاء في بعضها من إضافات ومقترحات كما حاولوا تقديم إجابات عما طرحه بعضها من تساؤلات واستفسارات.
لقد كان النقاش حول موضوع الندوة ثرياً وغنيًا بالأفكار، وقد أظهر أهمية هذا الموضوع في بناء مجتمعات عادلة ومتساوية. كما أكد على ضرورة تضافر الجهود من أجل تعزيز الكرامة الإنسانية وحمايتها، وتميز النقاش بعمق المداخلات وتنوع الآراء، وتم التركيز على الجانب العملي لكيفية تعزيز الكرامة الإنسانية. مع التأكيد على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام في تعزيز الكرامة الإنسانية.
وفي الختام جددت المسيرة الأستاذة وديان البخاري الشكر لجميع المؤطرين على طرحهم القيم، والشكر لجميع لمتابعين عبر جميع منصات التواصلية لحسن تفاعلهم.