لَيْسَتِ الأغلبيّة عَلَىٰ شَيْءٍ ولَيْسَتِ المُعارضة عَلَىٰ شَيْءٍ..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

* الدُّكتُور عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَار

 

 

 

لإزالة الألغام من حقل تناول الموضوع في عدم القدرة على احتواء وتدبير الاختلاف بين الأغلبيّة والمُعارضة؛ ننطلق من قوله تعالى في سورة هود: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً. وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ.)
نجد في كلّ الأنظمة السياسيّة في العالم: مؤيد ومعارض وغير مبالٍ. فالمُعارضة تقول: لَيْسَتِ الأغلبيّة عَلَىٰ شَيْءٍ. والأغلبيّة تقول: لَيْسَتِ المُعارضة عَلَىٰ شَيْءٍ؛ في صراعهم وتناقضهم وتعاندهم. حيث لا يستطيعون احتواء وتدبير الاختلاف بينهما. واللامبالي الذي لا هو مع الأطروحة ولا هو مع نقيض الأطروحة ولا هو مع التوليف، حيث يدعي الحياد (موقف الجبان).
طبيعة الصراع السياسي القائم في معظم الأنظمة السياسية، سواء كانت ديمقراطية أو غيرها، توجد معارضة تسعى لنقض سياسات الأغلبية، وأغلبية تحاول إلغاء شرعية المعارضة. يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1. من حيث جوهر الصراع السياسي:
* المعارضة دائمًا ترى في الأغلبية أنها غير شرعية أو غير كفؤة، وغير قادرة، وتعتبر قراراتها خاطئة أو مضرة بمصالح الوطن.
* والأغلبية ترى في المعارضة أنها مجرد مشوشة، أو غير قادرة على تقديم بدائل حقيقية.
* وهذا الصراع يؤدي إلى انسداد سياسي عندما لا يكون هناك قبول متبادل والتقائية بين الطرفين.
2. من حيث جذور المشكلة:
* غياب ثقافة تدبير واحتواء الاختلاف: فالأنظمة التي لا تستوعب التنوع والاختلاف؛ تكرس الصراع بدلًا من تدبيره بشكل إيجابي.
* غياب آليات الحوار: فحينما لا توجد آليات فعالة للحوار والتفاوض، يتحول الصراع السياسي إلى جدل عقيم.
* تغليب المصالح الضيقة: أحيانًا يكون الهدف من هذا التناحر؛ هو تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، وليس المصلحة العامة.
3. من حيث النتائج المحتملة لهذا الصراع:
* الشلل السياسي؛ ويقود إلى عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة بسبب التناحر المستمر إلى ما لا نهاية، وهذا هو عدوّ الديمقراطيات.
* عدم الثقة في المؤسسات: فالمواطنون يفقدون الثقة في النظام السياسي إذا كان الجدل والصراع هو المسيطر بدلًا من العمل.
* الاستقطاب الحاد: حيث يتحول المجتمع إلى معسكرين متنافرين، مما يؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية، أو إلى نفور وظهور اتجاه الأغلبية الصامتة أو ما يسمى ب: (الكنبة)
لكن ما هي الحلول الممكنة لهذا الوضع؟
نجد في الأنظمة الديمقراطية؛ ليس هناك أية فئة أو شخص محروم من سلطة المساهمة في اتخاذ القرار. فكل فرد أو  فئة لها وزنها داخل المجتمع وتساهم في اتخاذ القرار وتشارك فيه. وهذا ما يسمى بالسيطرة المجهولة على المستوى السياسي، والسيطرة المجهولة على المستوى الاجتماعي، بمعنى؛ أن الاقتصاد السياسي للدول الرأسمالية،  في شكله الخارجي، يعطي الانطباع على إنه ديمقراطي ومنفتح على الجميع وللجميع، لكن الجميع القادر على دخول المخاطرة. ويتيح اللحاق بمراكز القوة والجماعات الضاغطة والقدرة على التنافسية والمزيد من الاستقطاب.

أما على المستوى الاجتماعي، وحتى إن لم تكن هناك مساواة حقيقية في الوصول إلى القمة، إلا أن غير المحظوظين تبقى لهم القدرة على الاحتشاد والتعبئة للوصول على الأقل إلى سلطة القرار والحصول على منافع، وتلبية بعض مطالبهم السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعية والبيئيّة والثقافيّة، في ظل غياب العنف وسيادة الأمن والاستقرار؛ بحيث إن عدو المجتمعات الرأسمالية، هو التناحر إلى ما لا نهاية، أو سيادة العنف الاجتماعي والسياسي، وهذا ما لا تسمح به هذه المجتمعات، بحيث تلجأ إلى عدم تهميش رأي الأقلية وتذويب ردود أفعالها؛ من خلال الحوار وخلق التسويات السياسية بين الأغلبية والأقلية والاستجابة لمطالبها ومحاولة تجاوز الصورة النمطية المزيفة للسياسة الرأسمالية التي تستبعد الطبقات الغير قادرة على اللحاق بمراكز صنع القرار؛ عكس البلدان المتخلفة التي تقوم على مبدأ الإقصاء والتهميش والتناحر والصراع اللامتناهي.

فالديمقراطية تقوم على أسس:
– ترسيخ ثقافة الاختلاف: قبول أن الاختلاف في الرأي والفكر المُغاير؛ لا يعني العداء.
– تفعيل آليات الحوار: إنشاء منصات للنقاش والتفاوض والتراضي والتعايش بين المعارضة والأغلبية.
– الالتزام بالمصلحة العامة: جعل المصلحة العامة فوق المصالح الحزبية الضيقة.
والخلاصة تكمن في ضرورة احتواء الاختلاف بطرق حضارية ومؤسسية بين الأغلبية والمعارضة، وخلق فضاء للتسويات، واحتواء مسببات العنف لزعزعة الوجود والأمن والاستقرار والاستمرار السياسي والاجتماعي، والاقتصادي والثقافي، ومحاربة كل أشكال التناحر إلى ما لا نهاية.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...