حاجتنا الى وعظ سياسي

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.محمد كندولة

 

في الزمن السياسي نحتاج إلى من يقوم بالوعظ السياسي مذكرا ومحفزا لما فيه الخير للصالح العام .
فما الوعظ السياسي ؟
ومن هو الواعظ السياسي؟
وما هي موضوعات الوعظ السياسي؟
وما آدابه؟ وثقافته ؟
الوعظ هو تذكير بواجب المؤمن تجاه دنياه وآخرته ، بالتشويق الى الدار الآخرة ، و التزهيد في الدنيا .
أما تعريف السياسة فيقول أبو الوفا ابن عقيل ، الإمام الأصولي ، الحنبلي ، بأنها كل فعل يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح ، أبعد عن الفساد، وإن لم يضعه رسول ولا نزل به وحي ،إذن فالوعظ السياسي هو تذكير المسؤولين في كل موقع ، بما يحقق للناس الصلاح ، ويبعدهم عن الفساد ، خاصة و أن المسؤولية أمانة ، وأن خدمة الناس من أجل الأمانات على الإطلاق ، لكن القليل جدا ممن طوقوا بها ، إذا سكر بالمسؤولية يبقى صاحيا، بمعنى أن السلطة كسمة من سمت المسؤولية ، ومظهر من مظاهرها ، تفعل بصاحبها ما يفعل الخمر بالعقل ، من هنا تظهر أهمية الوعظ السياسي، الذي يجب ان يكون ملازما للفعل السياسي ، وقد كان و لا زال .
والوعظ السياسي ليس المقصود به الوعظ العام الموجه للناس جميعا، وإن كان داخلا فيه ، فهو عبارة عن نقد سياسي للتدابير الحكمية والإدارية ،
إذ يقع الوعظ السياسي بين السياسة و الشرع .
أما الواعظ السياسي فهو كل شخص لازم الكتاب و السنة ، وتفقه في الدين و الحياة ، واستشعر بواجب النصيحة لله ولكتابه و رسوله ولائمة المسلمين و عامتهم ، وقد نأى بنفسه عن شؤون السلطة و السياسة العامة ، واهتم بمعالجة أمور الناس وفق ما وهب من علم ، فأهليته ، و أعلميته هما اللتان تجعل من أهل السياسة و الشأن العام يطلبونه لتذكيرهم وتنبيهم و تخويفهم من مغبة الوقوع في ما جاء الدين و العقل لتسفيهه و تحريمه.
لقد ارتبط الوعظ السياسي ، بالأجواء السياسية الهادئة ، فلا يتكلم الواعظ السياسي زمن الفتنة و الأزمات التي تكون من مميزاتها المحاججة، و الجدل بين الفرقاء السياسيين ، لأن الوعظ تذكير وتخويف لا يقبل الانحياز لأحد المنافسين ، وإنما يتكلم في الأجواء السلمية شعاره “فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر”
وفي التاريخ ظهرت أعداد كثيرة من الوعاظ السياسيين ساهموا بالقرب او بالبعد من السلطة في التوجيه و الإرشاد و النصيحة ، وكثير منهم فضلوا الانعزال وعدم الظهور خوفا من بطش أهل السياسة ، الذين يمتلكون طرقا كثيرة للقمع و التخويف النفي و الابعاد.
أما أفكار الوعظ السياسي فيستمدها الواعظ السياسي من قيم الإسلام ، ممزوجة بتصوراته، وهي في الغالب تلازم الزهد ، و الدعوة إليه، والعدل بين الناس بغض النظر عن ألوانهم و مقاماتهم ، والانتصار له، وغالبا ما يشير الى آراء في التسيير و التدبير و الإدارة ،وغيرهما من أفعال النشاط السياسي.
ومن الآداب التي يلتزم بها الواعظ السياسي ، هي :
أولا: الابتعاد عن السياسة ليصون هيبة العلم ، وليحفظ الدين من الفساد .
ثانيا: الترفع عن أخد العطايا.
ثالثا: الاستنكاف عن صحبة المسؤولين السياسيين ، بل ويصل الأمر بهم إلى ذم العلماء الذين مالوا الى الصحبة العالية و العطايا المالية ، محاربين بذلك المداهنة و التملق القاتل للأهلية الوعظية و الأعلمية الشرعية .
رابعا:الاستعانة على هذه المواقف الصعبة بالصبر على الزمان ، و تقلب الاحوال ، مكشفين أضرار المسؤولية ، مذكرين بذهاب المناصب و زوال أمانات المتاعب .

صور الاستجابة للوعظ السياسي

تحدثنا عن مفهوم الوعظ السياسي باعتباره نقدا سياسيا رفيقا ، الغرض منه إبراز وجه الحق في التدبير السياسي بدعوة الفاعلين السياسيين إلى تقويم سلوكهم التدبيري وذلك من أجل تحقيق مصالح العباد، ودفع كل ما يفسد حياتهم ،أو يعكر صفو عيشهم ، وهو بذلك يهيب بالضمير الديني ، ويستنصر للنوايا الحسنة ، فيذكر بالواجبات ، ويحذر من مغبة السقوط في مطاب ومهالك السلطة الغاشمة، مؤكدا على الصيرورة الزمنية (كل من عليها فان) وتقلب الأحوال ، إذ المناصب إما صاعد إليها ،أو نازل منها .
والمسؤولون إزاء مواضيع الوعظ السياسي ، والدروس التذكيرية تتعدد تفاعلاتهم ، فإما يستمعون باحترام وتقدير أو تأثير قد يصل إلى حد البكاء أحيانا ، تقديرا للواعظ وتنويها بزهده وترفعه عن أخذ العطايا ،و إما قد يثورون ويغضبون إذا أحسن الواعظ فأعلى من نبرة صوته ، وصال وجال في وصف أحوال أهل جهنم الظالمين لأنفسهم وللعباد ، المتمتعين بزخرف الدنيا ، ولكن غالبا ما ينتهي هذا التوتر بالرجوع و التوبة بإفهام الواعظ ثقل المسؤولية واختلاف واقع الناس عما كانوا عليه سلفا، فيعلو بذلك مقام الواعظ بين الناس وعند المسؤولين حين يعتمد بعد ذلك النقد مع نهج الستر و الصبر على ما استجد في حياة الناس.
والوعظ السياسي بالرغم ما يعتمد عليه من وسائل التأثير ، كالحوار و الموعظة المباشرة في مجالس مختلفة ،أو في مقرات متباينة ، ورغم ما يصل إليه من نتائج مهمة ، كالبكاء بسبب تعظيم واجبات العدل ، أو بسبب المبالغات في التصوير الحسي لنار جهنم ، يبقى لا أثر له حقيقي في تعديل سلوك السياسيين ، وتبقى الوعظة نصيحة لم تتجاوز تصويب التدبير السياسي .
وقد يدافع المسؤول عن نفسه ونهجه حين سماع الموعظة ،أنه بحاجة إلى الأموال أو قد يحتج ببعد أهل الصلاح عنه ، كما فعل أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي ،وقد يرجع سبب عدم تطبيق سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تدبير الشأن العام إلى التحولات الجديدة التي عرفتها الأمة ،كما دافع الخليفة المهدي ، وقد يكون التأثير بغير تطبيق كما هو الشأن مع الخليفة هارون الرشيد.
وعلى كل فالوعظ السياسي ، قد ألجم التهور، وكبح غلواء الشهوات التي لا مسوغ لها دينا و عقلا، فبالنقد السياسي السليم الرفيق يبرز الحق ، وينتبه المرء فيعدل من سلوكه السياسي ، وينتبه الى دنياه من زاوية آخرته ، ومع ذلك يبقى الوعظ السياسي من ألوان التدافع البشري ، ويشهد على المسافة الفاصلة بين المثال و الواقع ، بين النموذج والمنجز.
قال تعالى ” الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور” الحج

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...