هموم الصحافي تبقى في الحاضر والمستقبل

إيطاليا تلغراف

 

 

 

طلحة جبريل

 

 

 

طالما أن الحياة جارية فإن التاريخ لن يصل إلى نهايته. نعود إلى التاريخ لكي نعرف عنه وليس لكي نتمسك به، لكن يبدو أن التسكع على أرصفة التاريخ أحياناً أكثر أماناً من التزاحم في وسط مجراه الخطر.
أعني “بالتسكع” العودة إلى الماضي أي ما أضحى يعرف “الأعمال الوثائقية” عن الماضي، و”التزاحم” تعني التغطية الآنية.
أقول دائماً إن الصحافي همومه يجب أن تبقى في الحاضر والمستقبل، وليس أمس وما قبله، إذ الصحافي يقرأ التاريخ، ولا يكتبه، على الرغم من وجاهة مقولة مفادها أن الصحافة هي التاريخ مكتوب على عجل.
قبل عقدين كانت الحظوة للمجلات العربية الملونة التي تصدر من باريس ولندن قبل أن تندثر. لاحظوا كيف تغير العالم. الآن لا يهتم أحد على سبيل المثال بالمجلات، باستثناء المجلات النسائية، إذ أصبحت للصحافة مواصفات وظروف عمل مختلفة، وتصدرت التلفزة قائمة وسائل الإعلام، وأصبح هاجس الناس “مقاطع الفيديو” على شبكة الإنترنيت.
بعدما أطلق عليه “الربيع العربي” سادت حالة من فقدان الثقة بالنفس، ولا مبالاة وإحباط استبدت بجماهير واسعة في المنطقة، نتيجة إحساسها بأنها ليست فقط معزولة عن المشاركة في صنع القرار، وإنما هي معزولة أيضاً عن المعلومات والأخبار الحقيقية، وفي غالب الأحيان تتدفق عليها أخبار زائفة.
ترتب على ذلك أن الجماهير، ولا أقول الناس، لأن لفظة “جماهير” هي التي ترتبط بالعمل السياسي، سلمت نفسها مضطرة إلى جهازين : الهاتف المحمول والتلفزيون، تبدد فيهما جزءً كبيراً من النهارات والأمسيات والليالي.
يعتقد المتحضرون إن مستوى وعي الشخص، له علاقة بأشياء محددة، وبالتالي ما يستهلكه من مادة إعلامية يمكن أن نقيس بها مستوى نضجه الفكري.
في سياق آخر يقال إذا أردت أن تعرف مدى تحضر امرأة أنظر إلى حقيبتها اليدوية ، إذا كانت أنيقة فذلك يدل على أناقتها، وعليك أن تنظر إلى حذاء الرجل إذا كان لامعاً هذا يعني أنه شخص أنيق. أما إذا أردت أن تعرف مستوى وعي أي شخص أسأله، ما هو آخر كتاب قرأه، وهل زار معرضاً تشكيلياً، وما هو آخر عرض مسرحي شاهده، ومتى دخل قاعة سينما، لكن إذا وجدت أنه يمضي أزيد من خمس ساعات يومياً أمام التلفزة أو شاشة الهاتف المحمول، عليك أن تفهم لماذا قررت السويد ذات يوم تعيين وزيرًا للتلفزة ، حيث يقرأ الناس هناك قرابة سبع ساعات في اليوم، ولماذا نشرت كندا المكتبات في كل مكان .
أتذكر عندما دخلت مكتبة في مقاطعة كيبيك، سألت عن عدد الكتب ، قلت وقتها للمسؤول عن المكتبة:
” يا آلهي أنني احتاج على الأقل إلى عقدين لقراءة جبال الكتب بداخل هذه المكتبة”.

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...