طلحة جبريل
تشير الأرقام، وهي دائما عنيدة، إلى أن معدلات قراءة الكتب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متواضعة للغاية. أما أرقام توزيع الصحف الورقية فهي كارثية، بينما يتركز الاستخدام الغالب للإنترنت على شبكات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، وتأتي القراءة في مرتبة متأخرة جدًا.
ربما تبدو الأرقام في الشتات أفضل، لكنها في حقيقة الأمر خادعة. خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث الذي أصبح جزاً لا يتجزأ من المجتمعات التي نزح إليها، فلا يمكن اعتبارهم جزءًا من “الدياسبورا” العربية بالمعنى التقليدي.
لنبدأ بالصحف. تشير الأرقام إلى أن مبيعات الصحف الورقية تتراوح بين 15 ألف نسخة يوميًا في بعض الدول، وتصل في أقصى تقدير إلى 300 ألف نسخة. بل أن هناك مدنًا عربية لا تصلها الصحف إطلاقًا.
إذا تطرقنا إلى مبيعات الكتب، سنكتشف أن أرقام التوزيع مخجلة حقًا.
سأقدم نموذجاً واحدًا لكاتب لا يختلف اثنان على أهمية ما كتبه، وهو الراحل الطيب صالح.
أتذكر أنني سمعتُ مرة من صاحب “دار العودة” في بيروت، التي بدأت في طباعة رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” منذ عام 1966، أن أقل بلد وزعت فيه الرواية كان السودان، أي بلد الطيب صالح نفسه.
هذه شهادة مهمة من دار نشر وزعت الرواية في طبعات كثيرة، ورغم ذلك لم يتقاضَ الكاتب منها شيئاً يُذكر. معظم مداخيل الكاتب من الرواية كانت من الطبعات الأجنبية، وتحديداً من الترجمة الألمانية التي باعت كميات ضخمة.
استطرد قليلًا لأروي واقعة كنت شاهدًا عليها.
قبل سنوات التقى الطيب صالح لأول مرة بالكاتب الفلسطيني إميل حبيبي، الذائع الصيت، في أصيلة المغربية.
خلال ذلك اللقاء، أبلغ حبيبي الطيب صالح أن ناشر الترجمة العبرية لرواية “موسم الهجرة إلى الشمال” يرغب في التواصل معه لتحويل عائدات مبيعات النسخة العبرية.
رفض الطيب صالح الفكرة رفضاً قاطعاً، وأبلغ حبيبي أنه لا يقبل أي مبلغ من تلك العائدات لأسباب معروفة وواضحة.
في ذلك اللقاء، قال الطيب صالح بطريقته الساخرة: “سامحت العرب في عائدات الرواية، فهل يعقل أن أبحث عن عائدات طبعة عبرية”.
عندما نتحدث عن القراءة نلاحظ أن النظام التعليمي في العالم العربي لا يشجع الطلاب على قراءة الكتب. على سبيل المثال يحشون ذاكرة الصغار بأمور لا معنى لها إطلاقاً، مما يقود في كثير من الحالات إلى التعصب والجهل.
عندما يسود الجهل، فلا بد أن يتبعه التعصب.
خلاصة القول، إن شعباً لا يقرأ يسهل تضليله.