تأملوا: لم أكتب من أجل أن أعيش بل أعيش من أجل أن أكتب

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

طلحة جبريل

 

 

 

في صيف 2017 رحل عن دنيا الناس في مراكش الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو.

لم أقرأ نصوص هذا الكاتب، ولا أعرف عنه سوى شذرات هنا وهناك.

 حين كنت في أميركا اجتهدت كثيراً في تعلم الإسبانية، فهي اللغة الثانية هناك، لكن مشاغل الحياة جعلت علاقتي بالإسبانية تنحصر في وجدان مع أغاني خوليو اغليسياس دون فهم لكن  مع بعض التماهي.

وأظن وقد كتبت ذلك من قبل، أن رحيل غويتيسولو في مراكش جعل الأسبان يلاحظون أن كاتبهم الذي كتب عشرات الكتب، فضل المنفى الاختياري بعد المنفى الإجباري.

أعاد رحيل غويتيسولو للذاكرة الإسبانية ما حدث مع “العرب في الأندلس” بسبب دفاعه عن الثقافة العربية، وكذا ذكريات مؤلمة للوجود الإسباني الاستعماري في شمال المغرب، ومرارات الحرب الأهلية الإسبانية وسنوات حكم فرانكو الطاحنة.

بل وأكثر من ذلك، الهجرة القسرية التي فرضت على النخب الإسبانية، من فيليبي غونثاليث الاشتراكي الذي قاد إسبانيا وهو بعد شاب في الأربعين إلى غويتيسولو الذي فضل أن يعيش في قاع مراكش ويدفن في مدينة “العرائش” إلى جانب بول بولز.

لم يكن غويتيسولو ماضياً فقط بل كان حاضراً بقوة. إذ كان من أشد المدافعين عن الفلسطينيين.

أكثر من ذلك، كان من المدافعين عن “آخرين” وخصص لهم روايته “عصافير تلوث أعشاشها”.

وعلى الرغم من تقدم سنه تجول في المنطقة خلال فترة ما أطلق عليه “الربيع”، وكتب سلسلة تقارير لصحيفة “البايس”.

عاش سنواته الأخيرة في منزل متواضع داخل “المدينة العتيقة” بمراكش.

كان يقضي لحظات الغروب يومياً في أحد مقاهي “ساحة جامع الفنا” حيث حلقات الحكواتيين والرقصات الفلكلورية ومروّضي القرود والثعابين.

 كان يعود في المساء وحيداً إلى منزله عابراً تلك الأزقة الضيقة في مراكش العتيقة، حيث عاش وحيداً مع كتبه، وسلحفاة هرمة تركها خلفه.

قال غويتيسولو قبل رحيله: ” قلت سلفاً كل ما أرغب في قوله. كتبت نصوصاً أدبية. لم أكتب من أجل أن أعيش، بل أنا أعيش من أجل أن أكتب. اعتدت أن أقرأ يومياً في حدود عشر ساعات، لكن نظري أجهد لذلك اكتفيت بأربع ساعات فقط يومياً”.

حاول خوان غويتيسولو تعلم العربية في باريس، لكن ذلك كان صعباً. عندما استقر في طنجة قبل أن ينتقل إلى مراكش، كان الناس يتحدثون معه بالإسبانية أو الفرنسية، تعلم العربية في مراكش. وكان يزعم جهله بالفرنسية.

أتذكر أن إذاعة في ولاية فرجينيا الأميركية، موجهة إلى” اللاتينو” أي الأميركيين الذين يتحدثون الإسبانية، طلبت مني إذاعة تلك الإذاعة المحلية أن أتحدث عن “خوان غويتيسولو”. قلت لهم سمعت عنه الكثير لكن تعرفت عليه عبر آخرين.

إيطاليا تلغراف

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...