محمد الوسطاني
القنيطرة.
في خطوة اعتُبرت تاريخية في مسار قضية الصحراء المغربية، صوّت مجلس الأمن الدولي يوم 31 أكتوبر 2025 على القرار رقم S/RES/2797 (2025) الذي تبنّته الولايات المتحدة الأمريكية ودعمته أغلبية الدول الغربية، معتبرًا أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب يشكل الحلّ الأكثر واقعية ودوامًا للنزاع الذي دام نصف قرن. هذا القرار، رغم طابعه غير الإلزامي من حيث التنفيذ الفوري، مثّل تحوّلًا نوعيًا في موازين الدبلوماسية الدولية لصالح المغرب، ورسّخ الاعتراف المتنامي بسيادته على أقاليمه الجنوبية ضمن مقاربة سياسية جديدة تقوم على الواقعية والتسوية بدل الصدام والمواجهة.
وقد جاء هذا القرار بعد نقاشات طويلة داخل مجلس الأمن، حيث صوّتت إحدى عشرة دولة لصالحه، وامتنعت كل من روسيا والصين وباكستان عن التصويت، فيما لم تشارك الجزائر في العملية. امتناع موسكو وبكين عن استخدام حق الفيتو فُسّر على نطاق واسع بأنه تعبير عن رغبة في تجنّب الاصطدام مع الغرب في ملف لا يمسّ مباشرة مصالحهما الحيوية، كما أنه يعكس قبولًا ضمنيًا بمرجعية الحكم الذاتي كإطار تفاوضي واقعي. أما الجزائر، فقد عبّرت عن رفضها الشديد للقرار وعدّته انحرافًا عن مبدأ تقرير المصير، مؤكدة دعمها لجبهة البوليساريو التي رأت في النص الأممي محاولة لتقويض “الحق التاريخي للشعب الصحراوي في الاستقلال”.
في المقابل، احتفى المغرب بالقرار باعتباره تتويجًا لمسار دبلوماسي بدأ منذ تقديم مبادرته للحكم الذاتي سنة 2007، وبلغ ذروته بالاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020. والذي عزز الموقف المغربي، احتفاء تجلى في مشاهد احتفالية في مختلف المدن المغربية، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع حاملين الأعلام الوطنية ومرددين شعارات تمجد الوحدة الترابية، في كل المدن المغربية، وخصوصا مدن العيون والداخلة وبوجدور، التي تحوّلت ساحاتها العامة إلى فضاءات احتفال جماعي، وبدت مشاهد الفرح وكأنها تعبير شعبي عن استعادة الاعتبار بعد عقود من الانتظار، وقد أعقب القرار خطابا ملكيا أكد فيه العاهل المغربي على الثوابت الوطنية وجدية ومصداقية مقترح الحكم الذاتي كإطار وحيد لحل النزاع ضمن السيادة المغربية الكاملة، مستمرا في سياسة اليد الممدودة ” لكل من يؤمن بالحوار والحل السياسي الواقعي بعيدًا عن أوهام الانفصال” من أجل تحقيق حلم المغرب العربي الكبير، بعد أن وصف القرار بأنه “انتصار تاريخي للدبلوماسية المغربية، وترسيخ نهائي لمغربية الصحراء في الوعي الدولي”، ورغم أن هذا القرار لا يرسم حدوداً جديدة بشكل مباشر، فإنه يُقوّي الرؤية المغربية للنزاع ويضع قضية السيادة في صلب الحل السياسي المتوقع.
واتسم موقف القوى الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بـ البراغماتية وتبادل المصالح أثناء تمرير القرار، وهو ما يفسر عدم استخدام حق النقض (الفيتو) أو حتى التصويت بـ “لا” من طرف روسيا والصين ، فالولايات المتحدة الداعم الأقوى للحل المغربي وحلفاؤها في أوروبا، صوتت بنعم مدفوعة بمصالح استراتيجية في الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب بشمال أفريقيا، إلى جانب الشراكات الاقتصادية والاستثمار الطاقي واللوجستي، خاصة في ظل التحولات الجارية بالساحل الإفريقي، في المقابل، وعلى الرغم من علاقاتهما العميقة مع الجزائر (خاصة في صفقات السلاح)، حافظت كل من روسيا والصين على موقف الحياد البراغماتي عبر الامتناع عن التصويت، أو عدم التصويت بـ “لا”، وهو الموقف الذي يهدف إلى عدم الإضرار بمصالحهما الاقتصادية والاستثمارية المتنامية مع المغرب كبوابة إفريقية من جهة، وتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن وباريس حول قضية لا تُشكل تهديداً أمنياً مباشراً لمصالحهما العالمية، مفضلتين الحفاظ على خطوط التواصل مفتوحة مع طرفي النزاع، وهو ما رأته الجزائر اصطفافًا غير عادل من طرف القوى الكبرى.
ورغم الاحتفالات المغربية، فإن القرار لا يمنح المغرب تفويضًا فوريًا لبسط سلطته على ما وراء الجدار الرملي، ولا يُجبر سكان الصحراء على الالتحاق بالمملكة، بل يكتفي بتأكيد أن مبادرة الحكم الذاتي تُعدّ أرضية تفاوضية واقعية. لكن من الواضح أن موازين القوى باتت تميل نحو المغرب، فيما تجد جبهة البوليساريو نفسها أمام واقع جديد يضعف من موقعها التفاوضي ويهدد استمرارية ما تسميه بـ “المناطق المحرّرة” شرق الجدار، خصوصًا مع تراجع الدعم الدولي وتغير أولويات حلفائها، بعد أن كانت ترى أن هذه المنطقة هي جبهة قتال رغم وقف إطلاق النار الذي رعته الأمم المتحدة بواسطة بعثة المينورسو، وأن صمودها فيها واستمرار وجودها يهدف إلى تعزيز شرعيتها الدولية كـ “كيان محتلة أرضه”، لإجبار الأمم المتحدة في نهاية المطاف على تنفيذ الاستفتاء كحل نهائي ووحيد، يرسخ القرار الأممي الأخير، كونها تخشى أن يؤدي القرار إلى تحجيم وجودها الميداني والسياسي، وإلى ضغوط جديدة قد تدفعها نحو قبول حلّ حكم ذاتي أو تسوية انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة، أما الرباط التي تسيطر على نحو 80% من مساحة الإقليم، بما فيها الشريط الساحلي وجميع المدن الكبرى (العيون، الداخلة)، فيبدو أنها ستسعى إلى استثمار هذا الزخم لتثبيت مكاسبها عبر المشاريع الاقتصادية والديبلوماسية، مراهنةً على الزمن كحليف في ترسيخ الأمر الواقع. وبين خطاب النصر المغربي ومخاوف الانكماش الانفصالي، يبدو أن القرار الأممي الجديد فتح صفحة جديدة في هذا الملف الطويل، عنوانها الواقعية السياسية وموازنة المصالح، أكثر من الشعارات الإيديولوجية أو الوعود الثورية التي لم يعد لها صدى في النظام الدولي الراهن.





