مأساة مستمرة في السودان : الصراع يتسع ..، وإنتهاكات “الدعم  السريع ” تتفاقم

إيطاليا تلغراف

 

 

 

عبد الكريم كموسى
طالب الصحافة والإعلام

 

 

يشهد السودان منذ أسابيع تصاعداً خطيراً في الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية والخدمات الأساسية. يأتي هذا التصعيد بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية، ليؤكد على هشاشة الدولة السودانية وصعوبة تحقيق الاستقرار في ظل الصراعات المسلحة المتكررة.

تتمركز جذور الأزمة الراهنة في التوترات الطويلة بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي تعود إلى تشكيل الأخيرة كقوة شبه عسكرية تحت قيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي». بينما يرى الجيش الوطني في هذه القوات تهديداً لمكانته ومكانة الدولة، تستند قوات الدعم السريع إلى نفوذها العسكري والسياسي المكتسب خلال سنوات الصراعات الداخلية في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد. الصراع الحالي بين الطرفين سرعان ما تحول إلى مواجهات مسلحة مباشرة في عدة مدن رئيسية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم ومناطق مهمة في جنوب وشرق البلاد، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين وفرارهم إلى مخيمات مؤقتة ومناطق أكثر أمناً.

أفادت مصادر محلية ودولية بأن المواجهات المسلحة ترافقها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، معظمها يرتكبها عناصر من قوات الدعم السريع. وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، واختطاف المدنيين، والتعذيب، والاغتصاب، والاستيلاء على الممتلكات الخاصة. وأكدت تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية أن هذه الانتهاكات طالت النساء والأطفال على حد سواء، وأنها تأتي في سياق حملة واسعة من الضغط النفسي والسيطرة على مناطق النزاع. وقد وثقت الصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي عمليات هدم المنازل وحرق الأحياء، ما يزيد من معاناة السكان المدنيين ويجعل من العودة إلى حياتهم الطبيعية أمراً صعب التحقيق.

وإلى جانب الانتهاكات المباشرة، أدى النزاع إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية الحيوية. فقد توقفت الخدمات الطبية في العديد من المستشفيات، وواجهت محطات المياه والكهرباء صعوبات كبيرة، كما تم تعطيل المدارس والجامعات، مما أثر على التعليم ومستوى المعيشة بشكل عام. ويرى خبراء أن هذه الأزمة الإنسانية تضاعف من التحديات التي تواجه الحكومة السودانية المؤقتة في إدارة البلاد، ويطرح تساؤلات حول قدرة الدولة على حماية مواطنيها في ظل انتشار الأسلحة والنفوذ العسكري الواسع لقوات الدعم السريع.

وتشير المصادر إلى أن القوى الدولية والإقليمية تبذل جهوداً للتهدئة وفتح قنوات للحوار بين الطرفين، لكن حتى الآن لم تحقق هذه المبادرات تقدماً ملموساً. مجلس الأمن الدولي أصدر بيانات إدانة متكررة، وحث الأطراف على وقف إطلاق النار فوراً، إلا أن الواقع على الأرض يظهر استمرار الاشتباكات والعمليات العسكرية، ما يعكس حجم الأزمة العميقة وتعقيدها. كما أعربت المنظمات الإنسانية عن قلقها العميق من تدهور الوضع الإنساني، داعية المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات وحماية المدنيين العالقين في مناطق النزاع.

في هذا السياق، يعيش السودانيون معاناة مضاعفة، حيث يجد الكثيرون أنفسهم محاصرين بين جبهتين مسلحتين، غير قادرين على تأمين الغذاء أو المياه النظيفة، أو الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية. ويواجه السكان تحديات كبيرة في توفير الحماية لأطفالهم، في ظل خطر الاختطاف والتجنيد القسري، فضلاً عن انتشار العنف الجنسي الذي أصبح يشكل سمة مروعة لهذه المرحلة من الصراع. كما أدى النزاع إلى زيادة حدة الأزمات الاقتصادية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان مصادر الدخل، ما يعمّق حالة الفقر ويهدد الاستقرار الاجتماعي.

التحليل السياسي يشير إلى أن هذا الصراع ليس مجرد نزاع مسلح عابر، بل هو صراع على النفوذ والسلطة بين مكونات النظام العسكري السوداني السابق، في وقت تحاول فيه البلاد الانتقال إلى حكم مدني بعد سنوات طويلة من الحكم العسكري والاستبداد. وتعتبر قوات الدعم السريع، بقدراتها العسكرية ومواردها المالية، خصماً قوياً للجيش، ما يجعل الحلول العسكرية أكثر تعقيداً ويطيل أمد الأزمة. ويرى بعض المحللين أن أي محاولة للتسوية يجب أن تشمل ضمانات دولية قوية، وإشراك المجتمع المدني والمكونات السياسية المختلفة، لتجنب تحول الصراع إلى حرب أهلية شاملة تؤدي إلى انهيار الدولة بالكامل.

وتؤكد الأحداث الأخيرة أن السودان يمر بمرحلة خطيرة تتطلب اهتماماً دولياً عاجلاً، لا سيما فيما يتعلق بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة. كما تستدعي الأزمة مراجعة استراتيجية الأمن القومي السوداني وإصلاح قطاعي الجيش والدعم السريع، بحيث يخضعان لرقابة مدنية وسياسية تمنع استخدام القوة ضد المدنيين. وفي الوقت نفسه، يحتاج المجتمع الدولي إلى الضغط على الأطراف المتنازعة للعودة إلى طاولة الحوار، وتقديم حلول سياسية واقتصادية مستدامة تعيد الاستقرار للبلاد وتحد من تكرار مثل هذه الصراعات.

يبقى الوضع في السودان هشاً ومفتوحاً على كل الاحتمالات، حيث تشير المؤشرات إلى استمرار المواجهات المسلحة وتصاعد الانتهاكات، ما يضع ملايين المدنيين أمام خطر دائم. ويبرز في هذا السياق الدور الحيوي للمنظمات الإنسانية والإقليمية والدولية في تقديم الدعم والإغاثة، والضغط على الأطراف المتنازعة لوقف النزاع وحماية حقوق الإنسان. وفي ظل هذه التحديات الكبيرة، يبقى الأمل معلقاً على قدرة الشعب السوداني على الصمود، وعلى الدور الإقليمي والدولي في مساعدة السودان على تخطي هذه الأزمة الخطيرة وبناء مستقبل أكثر أماناً واستقراراً.

إيطاليا تلغراف

 

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...