المغرب بين مناعة التاريخ وتحديات الآيديولوجيا..

إيطاليا تلغراف

 

 

 

* الدكتور عَبْدُ اللَّه شَنْفَار

 

 

* الرهان الحقيقي ليس في مواجهة الخارج، بل في تحصين الداخل من خطابات الانغلاق والإقصاء:
بمجرد اعتمد مجلس الأمن القرار رقم: 2797؛ وليس التوصيّة كما يروج خصوم المغرب؛ بعد تصويت 11 دولة لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء فيه، مع امتناع كلّ من: روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة “عالم آخر” في التصويت؛ بشأن الحكم الذاتي في الصحراء؛
ومنذ أن اختار المغرب خيار الحكم الذاتي في الصحراء، بدا وكأن القرار فتح الباب أمام تحوّلات فكريّة وسياسيّة جديدة، بعضها عبّر عن وعي وطني متجدد، وبعضها الآخر انزلق إلى مزالق الأدلجة والتوظيف الإيديولوجي.
ظهرت أصوات تتحدث باسم الدين أو الوطن أو الحداثة، لكنها في الجوهر تسعى إلى احتكار الحقيقة، وإلى إعادة تشكيل الوعي العام على مقاس مصالحها الضيقة.
في ظاهر الأمر، يُقدَّم هذا الخطاب كدفاع عن الوحدة الوطنيّة والترابيّة، غير أنه يخفي في باطنه توجّهًا إقصائيًا يرى في الاختلاف تهديدًا، وفي التنوع خطرًا على الانسجام المجتمعي.
وهكذا تتحول الآيديولوجيا إلى “كبسولة فكريّة” تُسوَّق على أنها علاج للأزمة، بينما هي في الواقع جزء من إنتاجها واستمرارها.
لقد تعلّم المغاربة من تاريخهم الطويل أن الخطاب المتطرّف، مهما تغيّر لونه أو لسانه، لا يعيش إلا على صناعة الخوف. لكن هذا الوطن، الممتدّ في الزمن والوجدان، يملك من المناعة ما يكفي ليُعيد الأمور إلى نصابها كلّما اشتدّ غبار الأيديولوجيا.
تتداعى إلى الذاكرة هنا العبارة الخالدة لعبد المطلب رحمه الله، جدّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حين قال لأبرهة الحبشي: «أما الإبل فأنا ربّها، وأما الكعبة فلها ربٌّ يحميها.»
لم تكن تلك الكلمات تعبيرًا عن ضعف أو تواكل، بل عن إيمانٍ عميقٍ بأن للأشياء حرمتها، وللحقّ قوته الكامنة في التاريخ والوجدان.
والمغرب، في رمزيّته العميقة، يشبه هذا البيت العتيق. فهو بلدٌ له ربٌّ يحميه، وشعبٌ يصونه بإيمانه العاقل ووعيه الجماعي. ما يميّز المغرب ليس غياب الأزمات، بل قدرته على احتوائها، وتحويلها إلى فرص لتجديد الذات. فكلما احتدم الخلاف، برزت حكمة التاريخ في تدبير التوازن بين الأصالة والتحديث، وبين الثابت والمتغيّر.
إنّ الرهان اليوم لا يكمن في مواجهة التحديات الخارجيّة وحدها، بل في تحصين الجبهة الداخليّة من نزعات التطرّف الآيديولوجي والانغلاق الفكري.
فالمغرب الذي صمد أمام أطماع الخارج، قادر على أن ينتصر على انشطارات الداخل، متى حافظ على جوهره كدولة تسع الجميع كما عبر عن ذلك بشكل صريح، جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ووطنٍ يحميه ربّه وشعبه معًا.

* نبذة موجزة حول الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّه؛
مفكّر وباحث مغربي متخصّص في العلوم القانونيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وناشط في الرصد والتحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي.
له عدة إسهامات فكريّة ومقالات تحليليّة ترصد التحوّلات المجتمعيّة وتقدّم قراءات نقديّة للتحديات الراهنة في المغرب والعالم العربي والإسلامي، من أبرز مؤلفاته: الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (2000). الفاعلون المحليّون والسياسات العموميّة المحليّة (2015)، والفاعلون في السياسات العموميّة الترابيّة (2020).

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...