ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

ذ.أحمد براو

 

 

ظاهر الآية أن الإنسان منهي عن الموت وترك الدنيا وأنه يستطيع دفعه وتفاديه حسب الحالة التي يكون عليها، أي إذا كان مسلما، أسلم روحه لبارئها، وإذا كان غير ذلك يمهل نفسه وقتا إضافيا حتى يستعد لذلك، ولكن في باطنها تحذير للإنسان من أنه لا يستطيع معرفة أجله المحدد وأنه ممكن أن يتداركه الموت في أي لحظة من حياته وهو في غفلة لاهيا قلبه، فيترك الدنيا على غير حالة الاستسلام لله والانقياد له وطاعته والسير حسب منهج الإسلام وتعاليمه ويكون خسرانه مبينا. كما أن أقدار العليم الحكيم جرت على أن الإنسان يموت على ما عاش عليه، فمن عاش مسلماً مؤمناً موحداً فإن الله عز وجل يقبضه مسلماً مؤمناً موحداً. من ذلك يستطيع أن يختار كيف يموت من خلال إيمانه وعمله وقناعاته وصبره وتوكله على الله تعالى، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومن الظاهر أن نهي هذه الآية يتعلق – بالأحرى- بحالة العبد من ناحية العقيدة والمنهج والأعمال القلبية أكثر منه تطبيق التعاليم والعبادات لأنه عند حضور الأجل ودنو الموت فلا مجال ولا وقت للعمل كالصلاة والصوم والصدقة. ولذلك في دعاء صلاة الجنازة نقول: (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان). وهذا يعني أن أعمال الجوارح تنفع في الحياة وأما أعمال القلوب فتنفع عند الموت وسكراته.

وتعتبر هذه الآية من أكثر الآيات التي تطرق أسماع المسلم وتنفذ داخل قلبه متأثرا بقوة وقعها، عند كل خطبة جمعة تنبهه إلى ما ينتظره عاجلا أم آجلا، وتحثه على الإستعداد الفوري وأن يتزود بحق التقوى “حَقَّ تُقاتِهِ” وأن يجعل من نفسه واعظا يتبصر حقائق الأمور وليس ظواهرها، لأن كل إنسان على نفسه بصيره وليس له معاذير بل يعرف تقصيره حق المعرفة ويحصي سقطاته وذنوبه قبل أن تحصى له ويدرك غفلاته ونسيان قلبه كما أن تعاليم هذه الآية الجليلة تحث على مبادئ مهمة في حياة العبد وهما الاستقامة والثبات وحسن الخاتمة.

الاستقامة هي الاعتدال والسير على السبيل دون انحراف، وهي أيضا اليقظة الدائمة، والتذكر الدائم، والتحري لحدود الطريق، وضبط الانفعالات البشرية التي تحرف الاتجاه يمينا أو شمالا، ومن ثم فهي شغل دائم في كل حركة من حركات الحياة، فالدين دين يسر دون تسيب ولا غلو، فالإفراط والغلو يخرجان هذا الدين عن طبيعته كالتفريط والتقصير، وهذا الأمر ذو قيمة كبيرة ، لإمساك النفوس على الصراط بلا انحراف إلى الغلو أو الإهمال.

ما أحوجنا لتثبيت القلب في زمن هبوب رياح الشهوات والشبهات التي تؤدي إلى الردة والنكوص على الأعقاب، والانتكاسات حتى بين بعض العاملين للإسلام مما يحمل المسلم على الخوف من أمثال تلك المصائر، ويتلمس وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن. فقد كان بعض السلف يقول “إني لا أخاف الوقوع في الذنوب بل أخاف الوقوع في الكفر” وحتى الأنبياء كانوا يسألون ربهم الوفاة على ملة الإسلام كما جاء في القرآن العظيم على لسان الكريم ابن الكريم يوسف الصديق عليه السلام قوله “رب توفني مسلما”. ومن أسباب الثبات هو الإقبال على حبل الله المتين والذكر الحكيم والنور المبين القرآن الكريم لأن به يثبت الله الأفئدة والقلوب “كذلك لنثبت به فؤادك” فهو الذي يزود المؤمن بالقيم والتصورات الصحيحة ويقوم الأوضاع على الحق ويهيئ الموازين للحكم على الأمور. وكذلك الإيمان والعمل العمل الصالح “يثبت الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات” فالذي يجاهد نفسه ويعودها مخالفة الشهوات ويحملها على الرياضة والإستئناس بالمشاق والمجاهدات واقتحام العقبات، يكون مستعدا للتحمل والصبر والثبات عند المصائب وما مصيبة أكبر من الموت. وكذلك التدبر في قصص الأنبياء والثقة في موعود الله وحسن الظن به وكثرة الذكر والدعوة والدعاء.

وأما حسن الخاتمة وهي ان يوفق العبد للتوبة والإنابة قبل موته والإقبال على الطاعة وترك الذنب والمعصية خصوصا أن الشيطان يجتهد على العبد في هذه المرحلة لكسب المعركة الأبدية، ولحُسن الخاتمة علامات، كل واحدة منها كافية بإذن الله في الاستبشار بحُسن الخاتمة من غير جزْمٍ بذلك وأهمها النُّطق بالشهادة عند الموت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : “مَن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخَل الجنة”، وأن يختم له بعمل صالح الصيام والصلاة أو شهيدا كالغريق والمبطون والحريق وتحت الهدم والمرأة بسبب الحمل والولادة. ثم أن هناك يوم الجمعة وليلتها.

والموت على الإسلام وصية أوصى بها يعقوب لحظة احتضاره بنيه الأسباط من بعده بأن الله اصطفى لهم الدين بألا يموتن إلا وهم مسلمون، ومن بين الأذكار المسنونة التي يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: أصبحنا على فطرة الإِسلام وكلمة الإخلاص ودينِ نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملّة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلماً وما كان من المشركين وإذا أمسينا مثل ذلك.
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.

إيطاليا تلغراف

 


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...