هنيئا لكم بمولد أحمد من مثله في الكون لا يوجد

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

د.أسامة جادو

 

مضت أيامٌ طويلة شديدة، أثقلت النفوس وأرهقتها بين شد وجذب، ومنافسة ومناكفة، كثُر الكلام وقلَّ العمل، وغالب دعاة الفتنة والفرقة وتسلطوا وتصبروا، حتى كادوا أن يزرعوا الشك في كل شيء وكاد الحصاد أن يبور، لولا أن قيد الله تعالى للحق دعاة يذودون عنه ويبددون دعاوى الزيف والبهتان والشك والتضليل.

وقد أدمت قلوب المؤمنين حملات شرسة و مخططات وقحة تنال من الإسلام و مقدساته ، و تسخر من القرآن الكريم و تستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق و أشرفهم و أعلاهم قدرا ، ولم يقف الأمر على سفهاء و موتورين أعماهم الحقد و عنصرية بغيضة ، بل اتسع وشمل زعماء سياسيين و نخبة فكرية في بلاد الغرب ، ماكرون فرنسا ومن معه ومن يؤيد انحطاطه وتسفله .

تلهفت لمجيء شهر ميلاد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليقيني أن الذكريات خزينة المشاعر ومسكونة بوجدانيات طيبة وروحانيات سامية تسمو بنفوس المحبين وتخفف عنهم وطأة الأقدار المؤلمة التي تعترض مسار حياتهم، ولا أبالغ إذا قلت إنَّ ذكرى مولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لها مكان التربع في قلوب المسلمين؛ لهذا كنت أترقب الهلال ليحمل لأمتنا التعبة روح المحبة والتقدير والشوق للحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم.

نستقبل ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتذكر القيم العليا والأخلاق الطيبة والمثل السامية التي تجسدت في شخصه الكريم، نتذكر رسالته الخاتمة وسنته الباقية ومشروع إنقاذ البشرية من الهلاك في الدنيا والخسران في الآخرة وكيف كان رحمة للعالمين وكان رحمة مهداة من رب العالمين، بشر المؤمنين وأنذر العصاة وانحاز دائمًا للحق وحكم بالعدل فما زلَّ وما ضلَّ، صلى الله عليه وسلم.

نستقبل ذكرى ميلاده والقلوب مشتاقة إلى لقياه والنفوس تواقة لرؤياه، والعيون تتوق للنظر إلى وجهه الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقد حُرمنا من كل ذلك الفضل في الدنيا، وندعو الله تعالى أن يُعوضنا في الآخرة صحبته ومرافقته في الفردوس الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسُ محمدٍ بيده ليأتينَّ على أحدكم يومٌ ولا يراني. ثمَّ لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم” (رواه مسلم في الفضائل، باب فضل النظر إليه وتمنيه- 4/1836).

لقد تكرم الله تعالى على جيل من البشر وأكرمهم وزادهم من فضله فجعلهم الجيل الذي آمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا صوته ونالوا شرف صحبته وهم جيل الصحابة الكرام فكانوا خير الأجيال وأفضل الناس، أحاطوا بقلوبهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وضربوا المثل في علوِّ الهمة في محبته وشدة الشوق إليه، ليس في الدنيا وحدها بل سبق شوقهم إليه حتى وصل إلى الجنة، هذا ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما روى البغوي- كان شديد الحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: ما غير لونك؟ فقال يا رسول الله: ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك؛ لأنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فأولئك مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقا) (النساء: 69).

رضي الله تعالى عن أصحاب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد مضت عليهم سنوات طوال بعد موت حبيبهم، ثم وفد عليهم بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد رحل عن المدينة بعد موت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لم يستطع العيش فيها بعد موته فسكن الشام واستقر بها.
تابع معنا ما رواه الحافظ ابن عساكر بسند جيد عن بلال بن رباح رضي الله عنه، أنه لما نزل (بداريا)- اسم مكان قريب من الشام- رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بعد وفاته وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه بلال حزينًا خائفًا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه!!! فأقبل الحسن والحسين، رضي الله عنهما، فجعل بلال يضمهما ويقبلهما فقالا له: نتمنى أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما قال: (الله أكبر، الله أكبر) ارتجت المدينة فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) ازدادت رجتها، فلما قال: (أشهد أن محمدًا رسول الله) خرجت العواتق- النساء- من خدورهن وقلن: أبُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤي يوم أكثر باكيًا ولا باكية بالمدينة بعده صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك اليوم. (سير أعلام النبلاء- 1/358).
تقبل الله منكم الطاعات ، ورضى عنكم أجمعين و من قال آمين
اللهمَّ ربنا صل و سلم وبارك على سيدنا محمد معلم النَّاس الخير .

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...