الملف النووي وضرورات إيران والولايات المتحدة الإستراتيجية.

إيطاليا تلغراف

 

 

 

 

 

*بقلم.. الدكتور حسن مرهج

 

 

 

بات من الواضح أن مسار التفاوض النووي بين واشنطن وطهران، تكبله الكثير من الألغام السياسية والعسكرية، فضلاً عن أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، الغوص في جُل تفاصيل المسار التفاوضي، ولا يمكن الوقوف على كل التعقيدات والإشكاليات التي تكبل الطرفان الإيراني والأمريكي، بالإضافة إلى عموم المجتمع الدولي. لكن ضمن ذلك، لا يمكن لأي متابع أن ينكر أو بتجاهل، رغبة الأمريكيين أو الإيرانيين، بالتوصل إلى مخرج يؤسس لإتفاق نووي جديد، لا سيما أن المفاوضات بين الطرفين قد وصلت إلى طريق مسدود، لكن ثمة من يبحث عن النور في أخر النفق، والعمل على إزالة المعوقات أمام التوقيع على تفاهم يعيد تفعيل الاتفاق.

ومن المهم ضمن ما سبق، الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وإيران، يسيران بخطوات متثاقلة في المسار التفاوضي، ولا يُعيران إهتماماً لأي ملفات أُخرى، سواء على صعيد الشرق الأوسط، أو لجهة التطورات الدولية بأبعادها ومضامينها كافة. لكن في المقابل، فإن الصراع المفتوح بين طهران وتل أبيب، يمكن إدراجه في بعض جزئيات المشهد التفاوضي بين واشنطن وطهران، وبالتالي يمكن أن يُفضي هذا الصراع، إلى تفاهمات إيرانية أمريكية وضمناً إسرائيلية، لجهة تقاسم مناطق النفوذ في الإقليم على حساب مصالح دوله.

في ذات السياق، فإن المندوبة الأميركية في مجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد زادت غموض العلاقة بين واشنطن وطهران، بتأكيدها أن إدارتها “ملتزمة بمحاولة إيجاد طريقة لإتمام الصفقة النووية مع إيران على رغم التباطؤ الحاصل”، مضيفةً “هدفنا الأساس عدم حصول إيران على سلاح نووي وهذا الاتفاق أفضل طريقة لضمان ذلك”، وهو موقف تخلت فيه واشنطن عن وصفها للرد الإيراني على ورقة الوسيط الأوروبي بأنها “غير بناءة”، ويتعارض مع كل الأجواء السلبية التي برزت خلال الأيام الأخيرة بالوصول إلى طريق مسدود واقتراب موعد إعلان انهيار المفاوضات، وهو موقف لا يأخذ بالاعتبار عينه سوى المصالح الأميركية ويدير الأذن الصماء لكل الأصوات التي تصدر عن القيادات العربية والإسرائيلية التي تعتبر دولها حلفاء استراتيجيين لها في الشرق الأوسط.

وباستراتيجية محكمة، فإن إيران تجاوبت مع الموقف الأمريكي، وقد برز ذلك في المواقف التي صدرت عن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان خلال حديثه الهاتفي مع نظيره العماني بدر بوسعيدي، إذ أكد تمسك طهران “بالحوار وتبادل الرسائل من أجل رفع العقوبات”، مضيفاً أن لدى النظام “الإرادة الضرورية والنيات الحسنة للوصول إلى الخطوة النهائية لاتفاق جيد وقوي ومستقر”.

المواقف السابقة جاءت بالتزامن مع الأجواء السلبية التي تغلف فضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي من المفترض أيضاً أن تطلق تصريحات إيجابية بعيدة عن تسييس الملف النووي، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصدرت موقفاً جراء الموقف الايراني، والذي رفض التصريح عن الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، لا سيما أن طهران وقوة موقفها، يُعطيها الحق والقدرة على رفض أي توجهات سياسية لا تتوافق مع نهجها المتعلق بالاتفاق النووي.

يُلاحظ أيضاً، أن مسارعة الخارجية الأميركية إلى نفي التسريبات الإسرائيلية عن تغيير المندوب الأميركي للمفاوضات روبرت مالي، تحمل على الاعتقاد بوجود تفاهم ضمني بين الطرفين على تحييد المفاوضات الثنائية غير المباشرة والمتعلقة بإعادة إحياء الاتفاق النووي عن الملفات والأزمات الأخرى المطروحة أو موضع خلاف بين الطرفين، ومنها ملف موقف الوكالة الدولية، بخاصة أن طهران أبدت استعدادها للإجابة عن أسئلة الوكالة تلك، والمساعدة في إقفال الملف شرط عدم فتحه مستقبلاً.

مُجملاً، يبدو واضحاً أن الطرفان الأمريكي والإيراني، يبحثان عن وسائل دبلوماسية تساعد على عدم انسداد أفق المفاوضات، وفي هذا فإن كِلا الطرفان يبدوا أنهما منسجمين حيال تقديم تنازلات من أجل الحفاظ على شعرة معاوية، بما في ذلك الخطوط الحمر التي وضعت على طريق المفاوضات، وتحديداً في ما يتعلق بالعقوبات على مؤسسة حرس الثورة الإيراني، واقتضت التسوية بأن تسقط واشنطن العقوبات عن الشركات الاقتصادية العائدة للحرس أو التي تعمل في فلكه، مقابل أن تسكت إيران على إبقائه ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، والتمسك بمبدأ التعامل بالمثل بتصنيف قوات القيادة الأميركية الوسطى إرهابية، بانتظار مرحلة مفاوضات مستقبلية حول الملفات العالقة.

*كاتب واعلامي وخبير في شؤون الشرق الاوسط من سوريا

إيطاليا تلغراف


شاهد أيضا
تعليقات
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء اصحابها وليس عن رأي جريدة إيطاليا تلغراف.
تعليقات الزوار
Loading...