طلحة جبريل
نقرأ في الصحف الإليكترونية و نسمع في نشرات الأخبار المسموعة والمرئية تعابير على غرار “يقول المراقبون” أو “يعتقد الملاحظون” وفي أحيان “يرى المتابعون”.
ظني أن هذه التعابير ابتذلت إلى حد لم تعد تعني شيئاً.
المؤكد أن المحررين عندما لا يجدون مصدراً واضحاً تنسب إليه المعلومات، وربما عندما يريدون تضمين رأيهم الشخصي في التقارير، يلجؤون إلى تعابير مثل”في رأي المراقبين”.
الثابت إننا لا نعرف على وجه التحديد من هم “هؤلاء المراقبين” وأين يوجدون، ببساطة لأنهم كائنات وهمية يوجدون فقط في أذهان بعض المحررين.
سأروي لكم واقعة.
في ثمانينيات القرن الماضي عمدت الكثير من وسائل الإعلام العربية والأجنبية إلى اعتماد مراسلين في المغرب، وأحياناً فتح مكاتب لها.
كان المغرب قد أضحى وقتها قبلة “القمم العربية”. من قمة الدار البيضاء إلى قمة الرباط إلى قمم فاس.
كان معظم المراسلين يعملون مع وسائل إعلام أوروبية خاصة الوكالات والصحف والإذاعات، كان هناك بعض المراسلون لوكالات الأنباء العربية، إضافة إلى مراسلي مجلات عربية ال كانت تصدر في أوربا.
كان من بين المراسلين البارزين الذين عملوا خلال تلك الفترة “رولاند ديلكور” مراسل صحيفة “لوموند”.المفارقة أن ديلكور سيتحول نفسه إلى “قصة إخبارية”، عندما قررت السلطات المغربية إبعاده.
كان ديلكور يعمل مراسلاً لصحيفة “لوموند” في القاهرة ، قبل وصوله المغرب. خلال تلك الفترة زار الخرطوم عدة مرات.
عندما جاء للمغرب وتعرفت عليه وجدت أن لدينا عدداً لا بأس به من الأصدقاء المشتركين في القاهرة والخرطوم، لذلك توطدت علاقتي مع “رولاند ديلكور”.
كان هناك اهتمام كبير آنذاك بصحيفة “لوموند” وسط النخبة الفاعلة وأصحاب القرار، لذلك كان ديلكور يتوفر دائماً على أخبار مهمة لكنه لا يكتب إلا ما يروقه. كنت في الواقع استفيد من معلوماته ولم يبخل علي، ظل سخياً.
ذات يوم كتب ديلكور تقريراً عن حادثة راح ضحيتها شخصية بارزة ،لكن السلطات اعتبر ما كتبه يصنف ” كخبر زائف”.
خلال التحقيق معه قبل إبعاده سئل ديلكور عن المصدر الذي زوده بالمعلومات لكنه رفض الإدلاء بإيضاحات في هذا الشأن.
عندما وصل ديلكور إلى باريس تواصلت معه هاتفياً، سألته عن ما إذا كان قد أدلى بمعلومات عن المصدر الذي استند إليه في كتابة تقريره الإخباري.
أجاب ” لو كنت قلت لهم ما هو المصدر لما عدت إلى باريس، بل كنت سأحتسي كأس قهوة في مقهى باليما”. كان ديلكور من المدمنين على “مقهى باليما” أشهر مقاهي في الرباط.
سألته يومها بسذاجة: يا مسيو ديلكور لماذا لم تنسب الخبر “للمراقبين”؟
أجاب: لأنهم لا يوجدون.